بقلم: أ. محمد زياد حسونة
باحث، ومحامي فلسطيني
في 26 أكتوبر 2025 أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعلان دستوري يحدد آلية خلافة رئاسة السلطة الفلسطينية (دولة فلسطين) في حال شغور المنصب في ظل غياب مجلس تشريعي قادر على القيام بدوره الرقابي والتشريعي… ينص الإعلان صراحة على أن نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب رئيس دولة فلسطين، حسين الشيخ، يتولى مهام رئاسة السلطة مؤقتًا لمدة لا تتجاوز 90 يومًا، تُجرى خلالها انتخابات رئاسية حرة ومباشرة وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني، مع إمكانية تمديد هذه المدة لمرة واحدة فقط بقرار من المجلس المركزي في حال وجود قوة قاهرة، مع مراعاة المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
من منظور دستوري يشكل الإعلان استجابة عملية للفراغ المؤسسي الناتج عن تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي توقف عن ممارسة مهامه منذ سنوات وتم حله دستوري بقرار المحكمة الدستورية عام 2018 .. هذا الفراغ أخل بالآليات التقليدية للخلافة المقررة في المادة 37/2 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 والتي كانت تمنح رئيس المجلس التشريعي صلاحية تولي رئاسة السلطة مؤقتا في هذا الإطار كما حدث سابقا بتعيين روحي فتوح عام 2004 .. يوفر الإعلان استناد مشروع إلى المادة 43 من القانون الأساسي التي تمنح الرئيس صلاحيات إصدار قرارات بقوة القانون في حالات الضرورة بما يضمن استمرارية الحكم وفاعلية الإدارة السياسية، مع مراعاة حماية الشرعية الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك من زاوية التحليل القانوني يطرح الإعلان ملاحظات نقدية مهمة. فاعتماد المادة 43 بشكل مطلق يمنح الرئيس صلاحيات واسعة مع محدودية الرقابة في ظل الانقسام المؤسسي الطويل الأمد وتراجع قدرة المجلس التشريعي على ممارسة دوره الرقابي في ظل تعطله مما يضع الإعلان في مواجهة تحديات تنفيذية حقيقية.
كما أن الانقسامات الداخلية السياسية والجغرافية على مستوى المؤسسات السيادية والتي أثرت على قدرة السلطة على إدارة الشؤون العامة تزيد من صعوبة تطبيق الإعلان بشكل سلس خاصة في سياق ما أعقب موجة “طوفان الأقصى” من تحولات إقليمية وسياسية تزيد من حالة الطوارئ. والفوضى وتدخلات الاحتلال الفجة بالقرار الفلسطيني مدعوما بغطاء أمريكي.
ويمكن ان يزداد الوضع تعقيدا بفعل الغياب المؤسسي للسلطة التشريعية والقضائية بغزة حيث أدى غياب السلطة التشريعية إلى فراغ دستوري هيكلي وأضعف قدرة المؤسسات على إدارة الدولة وفق آليات القانون الأساسي .. ربما هذا الواقع دفع القيادة ممثلة بالسلطة التنفيذية (الرئيس) إلى تبني حلول دستورية عاجلة ومرنة تهدف إلى ضمان استمرار الحكم الشرعي وإدارة الشؤون الوطنية بفعالية في ظل الحرب الوجودية التي تستهدف الفلسطيني مع الحفاظ على الشرعية السياسية والتداول السلمي للسلطة.
ولكن من الناحية القانونية والسياسية يمثل تعيين حسين الشيخ نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية ورئيسا مؤقتا للسلطة الفلسطينية في حالة الشغور خطوة استراتيجية واضحة من الرئيس عباس تهدف إلى ضمان استمرارية الحكم وتطبيق القانون في مرحلة حرجة من غابت فيه كل الأطر السياسية عن الساحة ويعكس هذا الاختيار الثقة الكبيرة الممنوحة له من قبل الرئيس، كما يؤكد على دوره كحلقة وصل بين مؤسسات السلطة المختلفة في ظل غياب المجلس التشريعي. يتيح هذا التعيين للرئاسة ممارسة صلاحياتها وفق المادة 43 من القانون الأساسي بما يضمن استقرار النظام السياسي وفاعلية إدارة الدولة مع الحفاظ على الشرعية الوطنية وتوفير إطار قانوني مؤقت لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال فترة التسعين يوما أو تمديدها لمرة واحدة عند الضرورة.

حسين الشيخ
الواقع له رأي فالبيئة الفلسطينية الحالية تتسم بـانقسامات داخلية واضحة ومحاولات بعض القوى فرض نفوذها على المؤسسات إلى جانب النفور الدولي من بعض الفاعلين السياسيين تجعل من الضروري أن يكون القرار مرنا وقابلًا للتطبيق عمليا مع الحفاظ على قدرة القيادة على إدارة المرحلة المقبلة. اختيار حسين الشيخ او المرسوم بشكل عام يعكس التوجه نحو ضمان استقرار النظام السياسي والمحافظة على النهج المؤسسي القائم مع الالتزام بالمدة المؤقتة المحددة بـ 90 يوما، والتمديد لمرة واحدة فقط عند الضرورة القصوى.
في المحصلة النهائية يمثل الإعلان الدستوري لعام 2025 توازن دقيق بين الضرورات القانونية والضغوط السياسية الواقعية ويبرز قدرة القيادة الفلسطينية على استثمار الإطار القانوني لتجاوز الفراغ المؤسسي الناتج عن تعطيل المجلس التشريعي مع الحفاظ على استقرار المؤسسات الوطنية في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها في تهديد وجودي علني لها وحماية الحقوق الدستورية للشعب الفلسطيني وتهيئة الأرضية لإجراء انتخابات رئاسية حرة وشفافة.
وعلى الرغم من الحالة السياسية والدستورية المعقدة التي تمر بها فلسطين نتيجة الانقسام السياسي والمؤسساتي والجغرافي، والتحديات الوجودية التي تواجه القضية الفلسطينية بفعل الاحتلال ما قبل الطوفان وبعده و على مدى أكثر من مئة عام بالإضافة إلى تدخل الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني بطريقة غير مبررة فإن إعلان الرئيس محمود عباس يظهر توافقه مع روح المرحلة الراهنة .. فاعتماده على المادة 43 من القانون الأساسي يمنحه الإطار القانوني والدستوري المناسب لإصدار قرارات عاجلة وضرورية تضمن استمرارية الحكم، استقرار النظام السياسي، وحماية المؤسسات الوطنية، مع الحفاظ على الحقوق الدستورية للشعب الفلسطيني في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
