أ.محمد زياد حسونة
محامي ومستشار قانوني وناشط مجتمعي.
رسالة إنسانية بالمقام الأول، رفقاً بشعب الكرامة.
تلك الصورة من المخيمات… مكعبات قماشية متراصة، جميلة ومنظمة من الأعلى، لكنها تحمل كل قبح الكون من الأسفل!
تُقام الخيام بطريقة تخدع العين، فتبدو منظمة ومتراصة، تفصل بينها أمتار قليلة، وتبهر الناظر من الجو بتخطيطها الهندسي المتقن. لكن تحت هذه الروعة الظاهرة يكمن البؤس، حيث تتراكم فصول من اليأس والمعاناة التي لن يشرحها لك من جلب لك هذه “الخيبات”.
تلك الصورة التي تُبهج الممول المغيب، وتزيده إيمانًا بجنّته، هي ذاتها التي تُنجح مشروع المبادر الصغير البريء الأنيق، لكنها أيضًا الصورة التي تُسحق فيها الأسر النازحة بين تفاصيلها الخفية.
فليُحرق العباد…
الخيمة 4×4 أمتار، بمساحة غرفة واحدة من شقة كانت تسكنها كل أسرة قبل النكبة العظمى. وفي هذه المساحة الضيقة، ستقيم أسرة كاملة—ربما ثلاثة أو أربعة أشخاص، وربما عشرة إن كُتب لهم النجاة.

خيام النازحين في غزة
في هذه الخيمة الصغيرة سيكون بيتٌ يضيق بأصحابه إلى حد الجنون، بيتٌ يعج بالألم والمعاناة والبؤس. ستُقسّم هذه “الخيبة” إلى خيبات أصغر في الداخل: مطبخ، مبيت للأبناء، مبيت للأم والأب، وربما للجد والجدة. كل هؤلاء محشورون في قلب الخيمة المتراصة، مجبرون على الصمت وسط صفوف الخيام، خوفًا من غضب المبادر، وصامتون في بؤس شديد، بينما تبدو خيامهم “جميلة” وأنيقة، تُبهر الداعم البعيد عن الواقع.
أوقفوا هذه المخيمات المذلّة في مضمونها للنازحين، وأوقفوا هذا العبث بأسرنا.
هناك ألف طريقة وألف حل لإيواء الأسر المشردة، لكن ليس بهذه الطريقة التي تُكرّس الذل والمعاناة.
التفكير خارج الصندوق بما يخدم راحة النازحين الذين ضاقت بهم الدنيا ألماً هو ما يجب أن يكون. يجب أن يُمنح النازح وأسرته مزيدًا من المساحة، ليجد راحة جسده في ظل ضيق قلبه، وليجد في الأرض متّسعًا له بعد أن ضاق عليه منزله واحتل الركام ذكرياته.