بقلم: أ. عبد العزيز عرفة
محامٍ، وناشط قانوني.
لا يخفى على أحد أن آخر ما ينتظره الغزيون من أسطول الصمود ليس ما يحمله من مساعدات غذائية وطبية، بل ما ننتظره منه هو أهم من ذلك بكثير: الأمل، وفكرة كسر الحصار وتجاوز العقبة التي ستسمح لكل حر بتقديم يد العون بنفسه دون الحاجة لوسيط ينوب عنه في إيصال ما يحتاجه أهل القطاع، بتنسيق من محتلهم وتحت إشرافه ووفق شروطه، وحسب مواعيده. أصبح “أي الحصار” سلاحاً فتاكاً بيده يرهب ويجوع به أهل القطاع، أصبح أداة سياسية يلوح بها ويستخدمها دون أي خجل.
إن نجاح أسطول الصمود لا يعني أن مجاعة غزة قد انتهت، وأن أسطولاً من بضع سفن صغيرة سيلبي احتياجات القطاع كافة. بل إن نجاح هذا الأسطول يعني كسر الحصار، وحرمان إسرائيل من أخطر وأخبث سلاح بيدها، ألا وهو التجويع وربط إدخال المساعدات الغذائية والطبية بشروط ومحددات ومنعها بأعذار واهية وحجج لا تشفع لأي بشر أن يستخدم هكذا سلاح.
وينتظر الغزيون من فكرة هذه الأساطيل تعزية ومواساة بأن هناك من يرى معاناتهم ويشعر بها، بل ويتحرك بخطوات ملموسة على أرض الواقع من أجلهم؛ أن هنالك من يحاول دعمهم بكل ما أوتي من قوة، ولم يكتفِ فقط بالتغريد والنشر على صفحات التواصل، وإن كنا ندرك أهميتها ولا نستهين بها. لكن فكرة أن يتحرك من أجلك من تعاطف معك في خطوة مكلفة له من حيث الوقت والجهد والمال بل وحتى على صعيد أمنه الشخصي، هي فكرة تبعث في نفوس الغزيين نشوة مواساة وإن كانت قليلة لكنها مهمة.
كما تزرع أملاً ولو كان باهتاً في انتظار نجاح أحد هذه الأساطيل في ظل تصاعد التعاطف الدولي وتفاقم عزلة الكيان، فاستمرار الطرق على هذا المسمار لا بد أن ينجح في يوم ما. للأسف سيطر الاحتلال على الأسطول واعتقل كل من فيه، لكن مشهد تحية أفراد الأسطول للوزير المتطرف بن غفير وترديد شعار الحرية لفلسطين في وجهه وهم مكبّلون بكل شجاعة، كان مشهداً يشفي الصدور، ويوضح مدى عمق وصدق التعاطف من هؤلاء الشجعان.
لم ينجح الأسطول في توصيل المساعدات، لكنه نجح في توصيل الرسالة.
فالاحتلال الذي منع أسطولاً لا يحمل سوى المساعدات الإنسانية من الوصول لغزة، لا يمكنه تبرير ما قام به سوى أنه يستخدم الحصار كسلاح ضد كل مواطني غزة، وليس لمنع وصول السلاح للفلسطينيين كما زعموا. الحصار من أجل الحصار والتضييق فقط، لا يمكنهم السماح بمرور الأسطول وإعطاء الغزيين الأمل وتشجيع غيرهم لتكرار الفكرة. فنجاح الأسطول كما أسلفنا يعني خسارة إسرائيل لأحد أهم أسلحتها اللاإنسانية وهو التحكم في ما يدخل للقطاع وإجبارهم على تقديم التنازلات فقط للحصول على الطعام والدواء.
إن ما نرجوه الآن كغزيين ألا يكون ما حصل لأسطول الصمود مدعاة لليأس، بل أن يكون حافزاً لتكثيف العمل على هذه الفكرة، حتى إن لم تنجح في إيصال المساعدات، فإنها ستنجح في تبيان الدعم الحقيقي، وتشجيع المتعاطفين مع القضية الفلسطينية للمشاركة، مما سيزيد من إحراج الاحتلال وداعميه أمام هذه المشاهد، وكذلك تصاعد التحرك الدولي في تعزيز هذه الأساطيل حتى نصل في يوم ما لتوفير الحماية الدولية لها وإيصالها رغم أنف الاحتلال وإنهاء هذا الفصل الرخيص من الحصار غير الشرعي المسكوت عنه حتى الآن.

