بقلم: د. نداء عبد العزيز رزق
أخصائية تحاليل طبية، مدربة صحية وكاتبة.
منذ عقود، صدحت جوليا بطرس بالسؤال الذي تحوّل إلى نشيد الغضب:
وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟ الدم العربي وين؟ الشرف العربي وين؟
لكن لا الملايين تحركت، ولا العروبة أجابت…
سؤالٌ معلق في حنجرة التاريخ، يردده الركام، وتبكيه جدران المساجد المهدّمة.
غزة اليوم ليست بخير…
غزة تُذبح حيّة، تُسلخ في بث مباشر أمام الشاشات.كل بيت فيها له قبر، كل طفل فيها له جنازة مؤجلة، وكل أم فيها بكت حتى جفّ دمعها.
قُصفت البيوت على رؤوس ساكنيها، تناثرت الجدران كأوراق، وسُحقت الأحلام تحت سلاسل الدبابات.
أشلاء لأطفال مقطّعة مبعثرة في الأزقة… أحذية صغيرة محترقة، وحقائب مدرسية مضرجة بالدماء.
مستشفيات نُسفت فوق أطبائها، وخيام النزوح تحوّلت إلى أفران موت جماعي.
الجرحى ينزفون حتى الموت بلا مسكّن… والأطباء؟ شهداء بزيهم الأبيض.
والأشد؟
المجاعة…
بطونٌ خاوية تصرخ، ورضّعٌ يبكون جوعًا بلا حليب ، بينما يُرمى العدس من السماء كصدقة مذلّة، كأنهم يروننا عبيدًا على حافة نسيانهم.
الطفل في غزة لا يموت برصاصة فقط، بل بالماء الملوث، بالطعام المفقود، بالحسرة.
وأنتم …في قصوركم، تشاهدون نشرات الأخبار وتأكلون بشهيةٍ لا تتأثر برائحة الدماء.
أين العروبة؟ أين تلك الجيوش التي صدّعوا رؤوسنا بها في خطب المزايدات؟
أين أنتم؟
يا من انشغلتم بتأشيرات الحج والزي الرسمي بينما تُسلخ غزة بلا سكين!
العالم صرخ؟ نعم.
الحرّ في أقاصي الأرض انتفض؟ نعم.
أما أنتم، فدفنتم رؤوسكم في رمال الخيانة… وأحكمتم قفل أفواهكم بمفاتيح الدولار.
صمتكم جريمة…كل لحظة سكوت هي رصاصة أُطلقت على طفل فلسطيني.
كل مؤتمر تأجيل… هو هدمُ حيّ سكني بأكمله.
كل كلمة “نأسف” و”نستنكر” هي طعنة جديدة في خاصرة غزة.
فليكتب التاريخ أن الأطفال صرخوا حتى ماتوا، والنساء احتضنّ جثث أولادهن،والدماء سالت على الإسفلت، بينما العرب صمتوا… ثم ناموا… ثم خانوا.
غزة لا تنتظر منكم شيئًا ،لكنكم سُتحاسبون ،ليس من البشر، بل من الله، ومن كل شهيد صعدت روحه وهو يهمس:
أين أنتم… حين احترقنا؟
وين الملايين ؟ الشرف العربي وين؟ الدم العربي وين؟!