بقلم: أ. رفاعي عنكوش
متخصص بشؤون الشرق الأوسط و أوروبا
تعيش سوريا اليوم مرحلة مفصلية في تاريخها، بعد سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي. ولا شك بأن هناك تحديات كبيرة تواجه الإدارة السورية الجديدة والشعب السوري على حد سواء، فيما يتعلق بفرض سلطة الدولة على كافة المناطق وحل ملف الأكراد وعملية إعادة البناء، والعلاقات مع الدول الاخرى. وهذه التحديات مرتبطة بالدول المجاورة بشكل كبير ناهيك عن الإرتباط المتعلق بتشابك المصالح والنفوذ بين الدول المنخرطة بالملف السوري كإسرائيل والولايات المتحدة وتركيا.
حيث استغلت القوات الإسرائيلية انهيار نظام الأسد في الثامن من ديسمبر العام الماضي، وقامت بالتوغل البري في مناطق متعددة على امتداد الجولان، ابتداء من جبل الشيخ شمالا وحتى قرية المعرية في درعا باتجاه الحدود الأردنية السورية جنوبا.
ومؤخراً، ذكرت القناة 14 الإسرائيلية أن إسرائيل بدأت بنقل كميات كبيرة من الأسلحة الروسية والسوفياتية الصنع، التي استولت عليها كغنائم حرب من جنوب سوريا إضافة الى ما غنمته من حزب الله في جنوب لبنان، إلى أوكرانيا لدعمها في مواجهة روسيا. وفقًا لتقرير إسرائيلي يستند إلى مصادر أوكرانية، تم استخدام طائرات نقل أمريكية لنقل هذه الأسلحة من إسرائيل إلى بولندا.
وأشار مسؤولون أوكرانيون إلى أن طائرات النقل الأمريكية، القادرة على حمل ما يصل إلى 77 طنًا، لعبت دورًا رئيسيًا في هذه العملية. وأفادوا بأنه خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان وسوريا، تم العثور على مخزونات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك قاذفات صواريخ مضادة للدبابات، صواريخ آر بي جي، وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة إلى ذخائر متنوعة.

الطائرات الامريكية
وبحسب المصادر، فإنه كان من المقرر نقل هذه الأسلحة الى الإدارة الذاتية المسيطرة على مناطق شمال وشرق سوريا، لكن إسرائيل رضخت للضغوط الأمريكية المطالبة بضرورة نقلها إلى أوكرانيا لدعم قواتها، وبالتالي وضع الكيان الصهيوني نفسه في موقف حرج أمام كل من الإدارة الذاتية وروسيا.
يُشار الى أن الإدارة الذاتية خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتي تطغى عليها قوات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعاديها تركيا وتعتبرها إمتداداً لحزب العمال الكردستاني وتهديداً لأمنها القومي وتصنفها على قوائم الإرهاب.
ووفق المحلل السياسي وئام الزعبي، فإن “قسد” التي تحاول الإبقاء على كيانها المستقل عن العاصمة دمشق وعدم تسليم سلاحها للإدارة السورية الجديدة، طلبت من واشنطن زيادة التسليح المخصص لها، خصوصاً بعد إتصالاتها مع الإسرائيليين الذين أبدوا استعدادهم لإيصال الغنائم إليهم. إلا أن الأمريكيون فضلوا دعم أوكرانيا وضغطوا في هذا الإتجاه.
وعن العلاقة بين الأكراد وإسرائيل، شدد المحلل أنها علاقة متينة وممتدة لسنوات، وذكر أنها تعززت خلال السنوات الأخيرة بعدما إستولت “قسد” على معظم الآبار والحقول النفطية في سوريا بدعم الأمريكيين، وأصبحت تهرب كميات كبيرة من النفط الرخيص الى إسرائيل من البوكمال السورية عبر قاعدة التنف والأردن.
وأفاد بأن “قسد” تتحرك في سياق تعزيز قوتها تخوفاً من إحتمالية تخلي الولايات المتحدة عنها خصوصاً في ظل كشف المسؤولين الأمريكيين في وزارة الدفاع (البنتاغون) مؤخراً عن وجود خطط لسحب جنودهم من سوريا. ناهيك عن الإصرار التركي على شن عملية عسكرية ضدهم بالتحالف مع الإدارة السورية الجديدة.
يُشار الى أن قائد “قسد” مظلوم عبدي، صرح في الأيام الماضية أن المطلب الأساسي للقوات هو الإدارة اللامركزية، وهاجم تركيا قائلاً بأنها “تريد احتلال مدينة عين العرب كوباني، ومن ثم السيطرة على كل سوريا”. بينما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه على المسلحين الأكراد في سوريا تسليم أسلحتهم، محذرًا من أنهم إذا لم يفعلوا ذلك، “فإنهم سيدفنون في الأراضي السورية”.
وفي ظل التهديدات المتبادلة والوضع المتفجر أشار الزعبي الى أن الرئيس السوري أحمد الشرع أصبح قوياً بما فيه الكفاية وهو يتلقى دعماً مهماً من قبل الأتراك فيما يتعلق بتعزيز القوة العسكرية، الى جانب الدعم السياسي الذي يؤهله لخوض معركة تحرير الشمال مع الأتراك ضد “قسد”. وهو ما يُقلق الإسرائيليين الذين حاولوا ترجيح كفة ميزان القوى لمصلحتهم عبر دعم إضافي للأكراد إلا أن الأمريكيين منعوهم عن ذلك.

احمد الشرع
واختم
بأن الوضع السوري لا زال غير مستقراً في ظل وجود هذه المشاكل، وأن الدور الفاعل للولايات المتحدة لا زال غير واضح المعالم الى الآن، رغم تغير القيادة السياسية في واشنطن ووصول ترامب الى الرئاسة. وأنه على الإدارة السورية ورئيسها أحمد الشرع عدم الإنجرار وراء التصعيد الذي يرغب به البعض وإعلاء مصلحة السوريين بكل أطيافهم على مصالح الآخرين.