بقلم: أ. احمد خالد الجرف
ماجستير قانون عام
ما يجري الحديث عنه اليوم ليس مجرد “مرحلة ثانية” في خطة ترامب تجاه غزة، بل هو تحول سياسي خطير قد يرسم ملامح جديدة للمنطقة بأكملها.
فوفقًا لما تسرب من تفاصيل، تتضمن هذه المرحلة إنشاء إدارة انتقالية يقودها تكنوقراط فلسطينيون، وتعمل تحت إشراف هيئة دولية تتولى تسيير شؤون القطاع اليومية والإشراف على إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة.
الهدف المعلن هو إعادة الإعمار وتسهيل المساعدات الإنسانية، لكن خلف هذا الغطاء الإنساني تبدو هناك ترتيبات سياسية وأمنية معقدة، أبرزها الحديث عن نزع سلاح حركة حماس، وهو الشرط الذي ترفضه الحركة رفضًا قاطعًا، وترى فيه محاولة لإخضاع المقاومة وتجريدها من أدواتها الأساسية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني.
في المقابل، تتحدث الخطة أيضًا عن نشر قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار، وتدريب قوات فلسطينية جديدة لتتولى إدارة الأمن، وربما تكون بديلًا مستقبليًا عن القوى الحالية في القطاع.
وتُطرح كذلك تسهيلات لمن يرغب من عناصر الحركة في مغادرة غزة، وهو ما يوحي بمحاولة إعادة هندسة المشهد السياسي والأمني الداخلي من جذوره.
لكن المعضلة الحقيقية التي تواجه هذه الخطة تكمن في موقف الفصائل الفلسطينية الموحد، الرافض لأي وصاية أو إدارة أجنبية على غزة. كما أن رفض حماس لتسليم السلاح يمثل حجر العثرة الأكبر أمام المضي في المرحلة الثانية.
ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى أن الوسطاء الإقليميين والدوليين سيحاولون إيجاد صيغة وسط، ربما تحت عنوان “إدارة السلاح” بدلاً من “نزعه”، كحلٍّ يحفظ ماء وجه الجميع ويُبقي الباب مفتوحًا أمام التسوية.
لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح هي أننا نقترب من إعصار سياسي هائل، فبعد توقف المدافع سيبدأ الصراع من نوع آخر: صراع الإرادات والسياسات.
غزة لن تكون كما كانت، والمنطقة بأسرها على أعتاب مرحلة إعادة رسم خرائط النفوذ والشرعية.
إن ما تمر به القضية الفلسطينية اليوم من ضغوط دولية غير مسبوقة، قد يقود إلى محاولات فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وهذا نتيجة مباشرة لتراجع الموقف العربي والإسلامي، الذي اكتفى بالمشاهدة أو بالتصريحات الخجولة.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية تُدار في غيابٍ شبه كامل للعرب، وكأنها شأن داخلي بين القوى الكبرى والاحتلال.
وفي نهاية المطاف، يظل الأمل في وحدة الموقف الفلسطيني والعربي، لأن التحديات المقبلة لا يمكن مواجهتها بالتجزئة أو بالسكوت.
فالقضية أكبر من فصيل، وأعمق من خلاف سياسي _ إنها معركة وجود وكرامة.

