بقلم: د. خالد صبحي الطويل
دكتوراة في التنمية البشرية، وعضو اتحاد المدربين العرب.
في زمنٍ صارت فيه القلوب أشد قسوة من الحجارة، بات الجائع لا يخاف من الجوع، بل من الموت الذي يُلقى عليه باسم “الرحمة”.
يتحدّثون اليوم عن مساعدات جوّية، تنزل من السماء كما ينزل المطر، لكنها ليست رحمة.. بل كارثة محققة بكل ما تعنيه الكلمة من وجعٍ وانهيار.
غزة ليست صحراء خالية، وليست ميدانًا مفتوحًا، بل هي اليوم خيمة فوق خيمة، وطفل ينام بجوار ركام، وأمٌّ تتوسد الأرض بعدما فقدت سقف بيتها وزوجها وأمانها.
فأين ستنزل تلك “المساعدات الطائرة”؟!
أتسقط على خيمة وتقتل من تحتها؟
أتخترق جمعًا من الجياع فيمزقهم الحديد بدلًا من أن يُطعمهم الخبز؟
ثم لمن ستصل؟!
للأقوى.. لحامل السلاح.. للبلطجي الذي ينهب باسم الحاجة، ويطعن باسم الجوع، ويقتنص باسم الاضطرار.
هذه المساعدات ليست نجدة.. بل قصف من نوع آخر.
قصف يُذبح على هيئة طرد، ويُلفّ بأشرطة إنسانية.
قصف لا يأتي من طائرات العدو، بل من طائرات يفترض بها أن تكون شقيقة.
إخوتنا في السماء، أوقفوا هذا العبث!
فما يُلقى من عليائكم لا يصل إلى فقراء الأرض، بل يُمزّق بينهم فتاتًا، ويتحوّل إلى فتنة بين الأشقاء.
غزة لا تحتمل مزيدًا من التجارب، ولا تقوى على تحمّل “نية حسنة” تُسحق تحتها الأرواح.
إننا لا نحتاج إلى استعراضات جوية، بل إلى معابر مفتوحة، وإلى كرامة مصانة، وإلى شريان حياة لا يتدلّى في الهواء، بل يسير على الأرض ويصل لمستحقيه.
فكفى!
كفانا قنابل نار، وكفانا قنابل خبزٍ تسقط بنفس الهمجية.
فجائع غزة لا تُشفى بعلبة تُسقط من السماء.. بل بإنسانية تُرفع من الأرض.