بقلم: أ. ريم جمال أبو جزر
محامية، وناشطة قانونية.
في ظلال الإبادة المستمرة والصمت الدولي الخانق، لم تكن رحلة أسطول الصمود العالمي (GSF) في عام 2025 مجرد إبحار إنساني، بل كانت تجسيداً ملهماً للمقاومة المدنية السلمية. أبحرت أكثر من 50 سفينة تحمل النشطاء والمساعدات لتحدي الحصار البحري غير القانوني. حين اعترضت القوات الإسرائيلية هذه السفن في المياه الدولية، تحول الفعل إلى “الخط الأحمر الأخير”. هذا الاعتراض المسلح لم يفضح عجز الدبلوماسية الرسمية وحسب، بل عزز صورة إسرائيل كدولة تتحدى القانون والإرادة العالمية، محوّلاً الأسطول إلى نقطة تحول دبلوماسية عمقت عزلتها على الساحة الدولية.
جوهر الحمولة: الأثقال الثلاثة( إنساني، بشري، سياسي).
في حقيقته، لم يكن الأسطول مجرد شحنة مساعدات عابرة، بل سفينة شحن لثلاثة أثقال: الإغاثة الحيوية، والوفود البشرية، والرسالة السياسية. ورغم أن حمولته من الأدوية وحليب الأطفال لم تكن لترفع مجاعة غزة، فإن قيمته الحقيقية تكمن في حمالية: مئات النشطاء والبرلمانيين من 44 دولة، الذين يمثلون الضمير العالمي الحي. هؤلاء أعلنوا برحلتهم أن عجز الحكومات وصمتها لن يكسر إرادة الشعوب. فكل قارب في الأسطول هو “خط أحمر” مدني، يهدف إلى إثبات أن الصمود ليس مجرد كلمة، بل فعل دولي مُبحر يرفض الركوع لمنطق القوة.

أسطول الصمود الى غزة.
الاعتراض المسلح: تحويل المبادرة إلى إزمة دولية.
قامت القوات الإسرائيلية بـ اعتراض أسطول الصمود في المياه الدولية أو على مقربة منها، قبل وصول السفن إلى المياه الإقليمية لغزة. هذا الاعتراض يُعد قرصنة دوليةوخرقاً واضحاً للقانون البحري.
حيث قامت سفن وطائرات تابعة للبحرية الإسرائيلية بمحاصرة السفن المدنية واعتقال النشطاء المشاركين فيها، وتم ترحيلهم قسراً إلى بلدانهم. هذا الإجراء حول الحدث من مبادرة إنسانية إلى أزمة دبلوماسية وقانونية، مثيراً تنديداً واسعاً من الدول الـ 44 التي ينتمي إليها النشطاء، مما تسبب في توترات دبلوماسية كبيرة.
ورغم فشل الأسطول في كسر الحصار المادي، نجح الاعتراض في فضح الحصار أمام الرأي العام العالمي، مؤكداً أن الحصار يتم فرضه بقوة عسكرية ضد مبادرات مدنية سلمية.
الغطاء القانوني: إدانة المقررة الأممية.
أكدت المقررة الأممية “فرانشيسكا ألبانيزي” في تصريحاتها أن الحصار المفروض على قطاع غزة غير قانوني في الأساس. وصنفت هذا الاعتراض بأنه انتهاك صريح للقانون الدولي ولقانون البحار، خاصة وأن الهجوم تم في المياه الدولية. وأكدت أن المساعدات التي يحملها الأسطول هي “قطرة في بحر الاحتياجات”، لكن قيمتها تكمن في أنها تأتي في ظل عجز الحكومات، كما شددت على أن النشطاء يمارسون حقهم السلمي، وأن الاعتداء عليهم هو اعتداء على سيادة الدول التي ينتمون إليها.
التحول السياسي: العزلة الملموسة.
لم يمر اعتراض الأسطول دون رد فعل، بل دفع بعض الحكومات إلى اتخاذ إجراءات مباشرة، حيث:
- الإجراءات العقابية: قامت دول في أمريكا اللاتينية مثل “كولومبيا” باتخاذ إجراءات تصعيدية، شملت طرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية أو قطع العلاقات جزئياً. هذه الإجراءات هي التعبير الأوضح عن تحول الغضب الشعبي إلى قرار سياسي رسمي.
- التدخل الدبلوماسي: اضطرت حكومة مثل “إسبانيا” إلى الإعلان عن تفعيل إمكاناتها القنصلية والدبلوماسية لحماية مواطنيها على متن الأسطول.
- الدليل الأممي: يوفر الاعتراض مادة جديدة ودامغة للدول المنددة بسياسات إسرائيل في المحافل الدولية (مثل مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان)، مما يسهل تمرير قرارات الإدانة أو الضغط.
عزز اعتراض سفن الإغاثة في المياه الدولية الصورة العالمية لإسرائيل كدولة تتحدى القانون، خاصة في ضوء التطورات القضائية الأخيرة:
- تجاهل القرارات الدولية: جاء الاعتراض بعد صدور قرارات من محكمة العدل الدولية التي تدعو لضمان تدفق المساعدات الإنسانية. الاعتراض المسلح لسفن مدنية يظهر عدم الاكتراث بهذه القرارات، مما يعزز صورة إسرائيل كقوة فوق القانون ويفقدها دعم حلفائها التقليديين.
- فضح الحصار: الاعتراض في المياه الدولية يحول الحادثة إلى انتهاك صريح للسيادة البحرية والقانون الدولي، ويؤكد للعالم أن الحصار يُفرض بالقوة العسكرية على الإرادة المدنية السلمية.

اعتراض أسطول الصمود.
لم يكن أسطول الصمود مجرد خبر عابر، بل تحول إلى نقطة تحول أثرت بشكل عميق على الرأي العام العالمي، ما دفع قطاعات واسعة من الجمهور إلى تبني مواقف معاكسة لمواقف الحكومات التقليدية الداعمة لإسرائيل، ويتجلى ذلك في:
- مدنيون ضد جيش: رأت الشعوب مئات من النشطاء والأطباء، أي مدنيين عُزل، يواجهون سفناً وطائرات حربية. هذا التناقض صعب تبريره أو شيطنته في وسائل الإعلام، حتى في الدول الغربية الداعمة تقليدياً.
- الإغاثة مقابل الحصار: تمثل الأسطول في وعي الجمهور بالسعي الإنساني، بينما تمثل الاعتراض في الإصرار على التجويع والحصار، ما كسر محاولات الحكومات لتمييع الموقف.
- تفعيل المقاومة المدنية: أظهر الأسطول أن هناك إرادة شعبية عالمية لا تستطيع أنظمة الدفاع والقانون التقليدية إيقافها. المشاركون من 44 دولة جعلوا القضية شخصية ومحلية بالنسبة للعديد من المجتمعات.
تعزيز حجة “التواطؤ” الحكومي: المواقف الصارمة التي اتخذتها شخصيات عامة مثل “فرانشيسكا ألبانيزي” وبعض الحكومات اللاتينية ألزمت الحكومات الكبرى إما بالتبرير أو التنديد، ما أدى إلى تصدعات في جبهة الدعم الغربي تحت ضغط الغضب الشعبي.
الخط الأحمر الأخير بشكل أساسي، نجح أسطول الصمود في تجسيد الصراع ليصبح بين “الضمير الشعبي العالمي”و “الدعم الحكومي التقليدي”. لم تكن المقاومة المدنية لسفينة الصمود مجرد رحلة إغاثة، بل كانت “سفارة عائمة للضمير العالمي”حولت كل قارب إلى درع أخلاقي في مواجهة القوة كالتي تُفرض في مجلس الأمن كقوة الفيتو، مؤكدة أن اعتراضها العسكري في المياه الدولية هو الخط الأحمر الأخير الذي يضع قانون البحر في مواجهة منطق القوة العمياء.

