بقلم : د.فرح وائل أكرم أبو سيدو
صيدلانية و مدربة تنمية بشرية و صحة
الصيدلة في غزة ليست مجرد مهنة تقليدية بل هي جبهة متقدمة في معركة البقاء فالصيدلي هنا لا يكتفي بدور البائع للدواء بل يعيش تفاصيل المأساة اليومية وسط حصار خانق ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية وتحت نار القصف والانهيار المستمر للبنية الصحية
في كل يوم يقف الصيدلي امام رفوف شبه فارغة يحاول ان يجد بديلا او يصنع تركيبة او يشرح للمريض كيف يمكن ان يدير علاجه في غياب الدواء المطلوب وفي كل لحظة يشعر ان مهنته صارت صراع ارادة اكثر من كونها وظيفة فهو شاهد على معاناة مرضى السرطان الذين تتوقف جرعاتهم بسبب انقطاع الادوية وعلى مرضى الكلى الذين يخشون توقف جلسات الغسيل وعلى الاطفال الذين يحتاجون لجرعات انقاذية لا تصل
الصيدلة في غزة عنوان للابداع القسري فالمهنة هنا لا تكتفي بالعلم الاكاديمي بل تضيف اليه خبرة النجاة وسط الخراب فالصيدلي يبتكر طرقا لتوزيع الدواء بعدالة ويبحث في الادوية المتاحة عن اقرب بديل ويعمل بوعي اخلاقي عميق كي لا يشعر المريض انه متروك وحده امام المرض
هذه المهنة في قلب الكارثة تفرض على اصحابها ان يكونوا اكثر من مجرد مهنيين ان يكونوا مرشدين واصدقاء واملا صغيرا لقلوب كبيرة تحاصرها الازمات فالصيدلي هنا ليس حارسا للدواء فقط بل هو صوت للانسانية في وقت تغيب فيه ابسط مقومات الحياة
لقد اثبتت التجربة في غزة ان الصيدلة ليست علما جامدا ولا وظيفة بيروقراطية بل رسالة تحمل في داخلها روح الصمود والانتماء فحين يقف الصيدلي في صيدلية مهددة بالقصف او في مستشفى بلا كهرباء ويصر على خدمة الناس فإنه يكتب شهادة جديدة على ان الانسان اقوى من الحصار واغلى من كل النار.

