بقلم: د. فهمي شُراب
كناجٍ من أهوالٍ لم أرَ لها مثيلًا في تاريخ الحــ ـروب، أهوالٍ تخطّت كل مستويات التدمير، ليس فقط على مستوى البشر والحجر، بل أيضًا على مستوى وأد الأمل في النفوس، أضيف إلى ذلك فصول النزوح القسري المؤلمة، وسط مؤامرة كونية واضحة، ظننا لوهلة أن هناك من يرتب الأمر بالتنسيق مع جهات مختلفة، لكن سرعان ما تبيّن أننا وحدنا، كما كنا دائمًا على مدار سنوات وعقود، اليوم، لم يعد بإمكاننا الرهان على أحد، سوى على ضرورة إنهاء الفُرقة ولمّ شمل الفلسطينيين، ونبذ كل أشكال الخلاف التي تستنزفنا.

أهوالٍ لم أرَ لها مثيلًا في تاريخ الحــ ـروب.
بعد الخذلان العربي الرسمي الكبير، أصبحت الحاجة ملحّة إلى التنازل عن العناد السياسي الذي أهلك الحرث والنسل، وأعادنا عقودًا إلى الوراء، نحن في غزة شعب عظيم في صبره وإقدامه، ولكن صبرنا وصل إلى أقصى مداه، شعبنا قدّم التضحيات قبل الحرب وأثناءها، والآن يقف منهكًا أمام تداعياتها التي لن تختفي سريعًا، العالم الظالم أدار ظهره لنا، ورمانا عن قوسٍ واحدة. لذا، علينا أن ندرك أننا وحدنا، ونتحمل مسؤولية وقف حالة الجدال العقيم التي تزيد من شتاتنا، وتُذكي نار العداوات بين أبنائنا. الجميعُ مدعو اليوم إلى تخفيف الاحتقان الحزبي والمناكفات التي لا تُجدي نفعًا، وإلى الانخراط في جهود الخروج من حالة التيه والهوان التي نعيشها.
نناشد كل من يتولى أمرنا أن يتخلى عن العناد السياسي الذي أوصلنا إلى هذا الحال المأساوي، فالمصاب جلل، والنكبة كبيرة، والجميع دفع الثمن، إذا لم نصفِ وننقِ القلوب، ولم نهدئ النفوس، ولم نوّحد كلمتنا، فإن معاناتنا ستستمر، وسيظل النزيف بلا توقف، نحن نعيش في وطن صغير واحد، وما لم نخفف من غلواء الحزبية البغيضة ونبتعد عن المصالح الفئوية، فلن نتمكن من تصحيح مسارنا، ولن نصنع مستقبلًا يخدم شعبنا وقضيته العادلة.
بأيدينا أن نغير واقعنا، وبأيدينا أن نخطو خطوات للأمام، فتجارب دول الجوار الناجحة حاضرة أمام أعيننا، فلماذا نضيّع وقتنا في إعادة اختراع العجلة!؟ فلنتحد، ولنضع مصلحة شعبنا فوق كل اعتبار، لننهض من بين الأنقاض ونبني مستقبلًا أفضل لأبنائنا. حفظ الله شعبنا من شر ما يحاك ضده.