بقلم: أ. مصطفى عبدالملك الصميدي
باحث أكاديمي، وشاعر يمني.
في التاريخ، لا تسقط الإمبراطوريات بضجيج المعارك والحشود، بل أحياناً تسقط بالعلم والوعي والحكمة والصبر، والرباط، والإرادة الروحية، والثبات العظيم، أو لربما من قهر نُسج على هامش التعسف المقيت، وضراوة الحروب ‐ بأنواعها – الممنهجة التي لا يشنها سوى الضعفاء والخائفون على عروشهم المستعارة، ودويلاتهم الرمادية وكياناتهم السرابية التي تحرص على ترتيب لسانها أمام العالم المتخم بأدوات لا واعية، وتضع شعار “قيم الديمقراطية” في واجهة مصانعها، بينما تواري خلف أستارها عبوات حرب لا تسقط إلا في أجساد البسطاء الأبرياء.
كم من قوةٍ كانت ترى نفسها أبدية، لا تُمس، ولا تُشكّ في سلطانها، فإذا بها تندثر من حيث لم تحتسب… لا لأن رماحاً اخترقتْ أسوارها، بل لأن العالم تغيّر، والوعي تسلّل، والناس كفّوا عن تصديق الأوهام المصدرة لهم بلغة خشبية ناعمة.
لم يكن سقوط الدولة العثمانية، أو الإمبراطورية المجرية النمساوية، أو النازية، أو القيصرية، حدثاً واحداً، بل مساراً تراكمتْ فيه الأكاذيب حتى انكشفتْ، وتضخمتْ فيه الآلة حتى انفجرتْ من داخلها…
اليوم، هناك من لا يزالون يظنون أن المال وحده يصنع العظمة، وأنهم مهما حشّدوا وجيشّوا، وتضخموا في صهيونيتهم، سيظل الناس صامتين، لكن الزمان لا يُحابي أحداً، والقوى التي تنشأ على حساب الإنسان، تُدفن في النهاية بيد الإنسان نفسه.
من أراد أن يبني على أنقاض، عليه أن يفكر كم سيصمد البناء… قبل أن تنقضّه رياح العدالة القادمة. إنّ التغيير الحقيقي لا يحتاج إلى جيش، بل إلى فهم عميق، وعلم واسع، ولا ينتصر بالصخب، بل بالصبر، والرباط، وحين تسقط الإمبراطوريات الجديدة، سيكون ذلك في اللحظة التي تظن فيها أنها لا تُقهر.

