بقلم د. أحمد علي حماد
شاعر مصري ، دكتوراه العلوم الحيوية
في زمن تتقلب فيه الموازين، وتختلط فيه القيم، يقف العالم متفرجًا، صامتًا، بل ومشاركًا أحيانًا، على مذبحة ممتدة تطال الأبرياء في غزة، أطفالًا يُحرقون وهم أحياء، ونساءً يُدفنون تحت الركام، وأرواحًا تصعد كل يوم، لتشهد عند الله ما عجزت عنه الإنسانية.
في لحظةٍ واحدة، تنطفئ روح طفل في غزة تحت ألسنة النيران، بينما العالم يُغمض عينيه عمّا يحدث. يُحرق الأطفال وهم أحياء، تُهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وتُبتر أطراف الأبرياء، في مشهد بات يتكرر حتى بات مألوفًا للبعض، إلا من أبى أن يتخلى عن إنسانيته أو دينه.
أمام هذه المجازر، يُطرح السؤال الأصعب: من لم تحركه مشاهد أطفال المسلمين وهم يُحرقون، فبماذا سيتحرك؟ وإذا لم يشعر بالخوف على مصيره بعد الموت، فمتى يخاف؟ هل يطمئن وهو في لحظاته الأخيرة إلى أنه سيموت على الإسلام؟
هل يطمئن في سكرات؟! هل يضمن أن ينطق الشهادة؟! وهل يضمن المتخاذل لنفسه حسن الخاتمة؟! وهل ينجو من عذاب القبر أو نار الآخرة.

من سينصر، ومن سيخذل؟
كل هذا في علم الله وحده، ولكن الله يرى. يرى موقف كل إنسان اليوم تجاه ما يحدث لإخوانه، يرى قلب المتخاذل، وخذلان اللامبالي، وخيانة من باع القضية. والساكت عن الحق، شريك في الجريمة.
لقد صار التخاذل جريمة، واللامبالاة خيانة. أما أولئك الذين شاركوا مباشرة أو مواربة في قتل الأبرياء، فدعاؤنا أن يُذيقهم الله جحيم الدنيا قبل الآخرة، وأن يحرمهم نعمة الراحة في قبورهم كما حرموا أطفالًا من حق الحياة، وأن يُقذفوا في نار لا يخرجون منها أبدًا.
لكن ما زال الأمل فيمن بقي فيه حياة، في من بكى وتألم ودعا، في من قاطع وساهم وساند بكل وسيلة ممكنة. فما يحدث ليس مأساةً فقط، بل امتحانٌ إلهي للقلوب: من سينصر، ومن سيخذل؟ من سيحيا على العهد، ومن سيُطبع على قلبه الصمت؟
لقد قال نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”. فاختر لنفسك اليوم، من تكون؟ أين تكون؟..وتذكّر: من لم تهزه صيحة طفل يُحرق حيًا، فلن تهزه صيحة القبر.

