بقلم: أ. علي محمود أبو علي
في غزة ليست القنابل وحدها ما يفتك بالأرواح، ولا الجراح وحدها ما يثقل الأجساد، الطعنات التي تنزف منها الروح تأتي من حيث كان يجب أن يكون العون، كما هو حال قيصر حين رأى في رفيق دربه بروتوس سنداً فتحوّل خنجراً.
عندما اجتمع يوليوس قيصر مع من كان يظنهم أقرب الناس إليه وتآمروا جميعاً على إنهاء حياته، واستمروا في طعنه، ظل متمسكاً بشموخه واقفاً. وعندما وقعت عيناه على رفيق دربه بروتوس واقترب منه ووضع يديه على كتفه وهو يظن أنه سيحميه، جاءت الطعنة التي قضت عليه من صديقه المخلص، فقال كلمته الشهيرة:
“حتى أنت يا بروتوس؟”
رأت غـ.زة في محيطها إخوة العروبة، فإذا بالبعض يغلق الحدود، والبعض يساوم على الدم، والبعض يساير العدو باسم الواقعية ومصلحة أمنهم القومي. كل طعنة خارجية ظلّت غزة تقاومها شامخة، لكن حين تكررت الطعنات من بعض القريب بدا المشهد أشد إيلاماً.
غزة تدمرت وانكسرت، لكنها تعلم أن الخيانة من القريب أشد مضاضة من عدوان عدوّ واليوم، في قلب الأمة، يتردّد صدى كلمات قيصر:
“حتى أنت يا بروتوس؟”
لكنها بصوت غـ.زة وهي تنادي محيطها العربي والإسلامي:
“حتى أنتم؟ تتركونني في مواجهة الموت وحدي؟”
فالجراح قد تلتئم، والدم قد يمسح، لكن جرح الخذلان لا يُشفى ولا يُنسى. وما بين قيصر وغزة يظل الدرس واحداً: أقسى السقوط ليس أمام السيف، بل أمام الخيانة.

