د. أحمد علي حماد
كانتْ على أبوابِها
دموعُ قدسٍ تُنشدُ
وكانَ ضوءُ قُبّتها
يبكي .. ويغدو الأَسدُ
حُب على أسوارها
وحربنا لا تحسدُ
والقدسُ تعرفُ عاشقًا
يمضي .. ويقتلُ في غدُ
حتى الحجارةُ في يدي
عطرٌ .. وجمرٌ مُوقَدُ
وفي غزةَ الفتّانةِ
طفلٌ صغيرٌ يرتدُّ
يحملُ فطورَ صائمٍ
ويقولُ: ربّي موعدي
الأقصى يُناديني هنا
والحُبُّ فينا يُولَدُ
ما بين عِطرِ بنادقٍ
وبينَ ثغرٍ يُشهِدُ
عينٌ تُصلّي مثلها
عينٌ تُحبُّ وتُسدِدُ
بلدُ النبيّين الألى
وعندَها يتجدّدُ
صوتُ الرصاصِ قصيدةً
وشفاهُها تتنهّدُ
عيناكِ يا قدسُ الرؤى
أشجارُ زيتونٍ غَدَتُ
ما بين حبٍّ هادئٍ
وطفولةٍ تتجلَّدُ
يا أيّها المُتربّعُ
بين الهوى والمَسجِدُ
قلْ للحبيبةِ إنني
فيكَ شهيدٌ مُولَدُ
شَعْرُ الحبيبةِ غيمةٌ
وفوقَهُ نارٌ تَحُدُّ
والثغرُ بين البندقيّ
وبينها .. مُتَوعّدُ
نرنو لغزَّةَ عاشقًا
وباليمينِ المُهتدُ
نُهدي القُبلاتِ للتي
في صبرها تتفرّدُ
فيها الصيامُ وزكاةُها
والعلمُ فينا يُوقَدُ
والأمّةُ انقسمتْ هنا
بانَ الذي يتزيّدُ
عرفَ المخلصُ من غدرَ
وعادَ من يتردَّدُ
يا قُبلةَ الأنبياءِ يا
قدسي ويا متجدِّدُ
أنا عاشقٌ وأُقاتلُ
وأذوبُ .. بل أتلذّذُ
ما بين حبّكِ والجهادِ
قلبي شهيدٌ مُشهَدُ
حتى إذا متُّ اغسلوا
جُرحي .. فدمعي مُجهَدُ
واجعلوا الأكفانَ وردًا
وزفّتي .. أن تُشهِدوا
أنّي أحبكِ هاهُنا
وكان يبكي الموقدُ
وكانت الأحراجُ تبكي
والخليجُ يُزْبِدُ
وفي صميمي غيمةٌ
تبكي، وثلجٌ أسودُ ….
حتى المآذنُ في الدُّجى
تُصلّي وتتهدَّدُ
تُناجي ربَّ العاشقينَ
وربَّ من يتوحَّدُ
يا زهرةً في قبضةٍ
من بندقٍ يتجلَّدُ
ويقولُ: هذا صدرُها
فيه الحنينُ مُجمَّدُ
فارسُ هواها واقفٌ
وسلاحُه يتوعَّدُ
بين الخدودِ وقُبلتي
رصاصُ صدري يُرعِدُ
وغزَّةُ الساحرةُ التي
في الحُسنِ لا تتقيّدُ
يأتي الحصارُ قبالتَها
وتظلُّ بالعطرِ تغدُو
وتظلُّ تصنعُ خبزَها
من صبرها المُتمدِّدُ
ويظلُّ طفلٌ في يديها
يمضِي .. ولا يتردَّدُ
هذي الحبيبةُ أمتي
ما بين دمعٍ وشهْدُ
ما بين عِطرِ زفافِنا
وصهيلِ خيلٍ مُجهَدُ
وإذا سألتِ غرامنا
قلنا: دمٌ يتجدَّدُ
وهواكِ يا قُدسُ المدى
وسلاحُنا المُتمدِّدُ
والعِقدُ فوقَ ناهدَيْكِ
دمُ الشهيدِ المُحمَّدُ
وزفافُنا تحتَ الرصاصِ
وورودُنا تتشهَّدُ
كانت كما أُريدُها
يحارُ فيها المُوجِدُ
أرضُ النبوَّةِ والحُدى
منها الهُدى يتولَّدُ
فيها جهادُ العاشقينَ
وفي الهوى يتعقَّدُ
بلدُ الصيامِ وزكاةِنا
وبها يُضيءُ المُسجَدُ
وبها الجمالُ مُكدَّسٌ
وبها الحصارُ مُبدَّدُ
فيها الحبيبةُ والدماءُ
وفي المدى يتسرَّدُ
والأرضُ تعرفُ من أنا
والكونُ يعرفُ مَقصَدُ
أنا عاشقٌ للقدسِ لا
أُبدي الهوى وأُردِّدُ
أنا عاشقٌ وبندقيٌّ
وورودي لا تنفدُ
أنا عاشقٌ وغزَّةٌ
كانت تُحبُّ وتَشهَدُ
وكان يبكي الموقدُ
وكانت الأحراجُ تبكي
والخليجُ يُزبدُ
وفي صميمي غيمةٌ
تبكي، وثلجٌ أسودُ ….
وعلى العتباتِ رأيتُها
تبكي .. وتبكي الموقِدُ
غزَّةُ تنادي ربَّها
وبينَها المُرتدُّ
كشفَتْ لنا في حربِها
من خانَ .. من يتزيَّدُ
خانوا الحبيبةَ باسمِهم
والعِطرُ منهم أبْعَدُ
يتباكونَ باسمِها
ووجوهُهم تتجمَّدُ
خانوا الصغارَ بحقدِهم
وعلى القصيدِ تعرَّبدوا
باعوا المساجدَ كلَّها
وباعوا حتى المولدُ
حتى الشعاراتُ التي
قالوها .. لا تتجددُ
وعلى دماءِ شيوخِها
أقامَ خائنُهم يدُ
في حينِ طفلٍ في يدي
يُشهِدُ اللهَ ويشهَدُ
قالوا السلامَ خدعةً
والقدسُ فينا تُبلِّدُ
واللهُ فضحَ أمرَهُم
فالعينُ لا تستجهدُ
يا أيها المُتزَيِّنُ
بالكذبِ كيف تُقلِّدُ؟
تُهدي العدوَّ خنوعَنا
وتقولُ: قد تتجدَّدُ
قد تتغيَّرُ حالُنا
وغزَّةُ لا تتبدَّدُ
وجُموعُهم من خلفِهم
تنهارُ .. ثم تُجدِّدُ
حتى المآذنُ تلعنُهُم
وتُعيدُ ما هو موؤُدُ
ولدي الحبيبةُ مثلمَا
عرفَتْ بأنكَ مُجرِدُ
عذرًا فلسطينُ الحُلى
كُشفَ العدوُّ المُقلَّدُ
هذا الزمانُ فضيحتي
وغزَّةُ لا تتقيَّدُ
وجراحُنا تُنشِدُ الهوى
وكلُّها مُتجدِّدُ
وإذا سألتِ عُيونَنا
كيفَ الهوى؟ لا نُنشدُ
بل نزرعُ العِشقَ الكفاحيَّ
والدمُ لا يتبدَّدُ
وكان يبكي الموقِدُ
وكانت الأحراجُ تبكي
والخليجُ يُزبدُ
وفي صميمي غيمةٌ
تبكي، وثلجٌ أسودُ ..