بقلم: أ. عبد الكريم محمد العيسوي
ماجستير قانون الأعمال
لا تزالُ قاطرةُ الحاضر تنطلقً من محطاتِ الفكرةِ الدينية وفلسفة التاريخِ التي استَغرقَتْها معاني الكرامةِ والحرية لتصبَّ الوقودَ في محركِّه ليندفعَ نحوَ ثورةٍ ينالُ بها حظاً من الاستقرار، لكنَّ ثمةَ ركباً في القاطرة تبادر لدى أذهانهم انشغالٌ ينبع من سؤال فلسفيٌّ وجوديٍّ، هل سيكونُ الاستقرارُ ضريبةَ انتاج التغيير، أم سيكونُ التغييرُ رأسَ مالٍ لنكونَ الأربحين حظاً من الاستقرار؟ ثم تتطايرُ أسئلةٌ تحملُ جملةَ اشكالاتٍ تترأسُها فكرةُ التسعير وفكرةُ الأولوياتِ، هل نبقى نعتاشُ عسراً بمنجزاتِ الموتِ البطيءِ أو ننتقلَ إلى رحمة الإلهِ دون أن نستغرق ذلك الزمن؟
هذا هو جوهرُ صراعِنا، و كلما نقرأُ الكتابَ ونستنُ سنة التدبر في قول ربِّ العشاءِ”ولقد كرمنا بنيْ آدم…وفضلناهم على كثيرٍ..” ثمَّ ننظرُ إلى رسولِنا وخلفائنا وصحابتِنا وأسلافِنا الذين آمنوا أن دنياهم قاطبةً لا تسوى في ميزان كرامتِهم شيئاً، بل لم يقيموا لذلك وزناً في حساباتِهم، فلئنْ قصدنا العلياءَ في الخلاصِ والنجاة ينبغي أن تتحقق مشروطيةٌ نرى أنها فلسفةُ حياةٍ لا بدَّ أن تعزرَّ في نفوسِ مسلمي واقعِنا الذين تآكلَت موازينُهم.
ونقولُ أنه إذا ما استوت كفَّتا الموتِ والحياةِ ميزاناً فرحبي بشرفي يتسلَّلُ كفةَ الموتِ، وهنيئاً لي دارُ الجنانِ، فلا حظٌ لنا في دارٍ وزوجةٍ وأهلٍ ومالٍ ومصروفٍ يَقينا حرَّ وجوهِنا من احوجاج أسفلِ السافلين فيعلو أنفُه بكلمة: لا أو يطنِّشُ الأمرَ ويكأنَّنا لم ننعقُ بما لايسمعُ، وكلما عجز اللسانُ بياناً يأتي بيتٌ للمتنبي ليختزل ما نقولُ في شطرين في أفصحِ وأبلغ الأساليب إذ أنشأ قائلاً:
لا تسقني كأس الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ولربما هذا هو حصيلةُ منظومتِنا التي تتفلسفُ خوارزمياتُها وفقَ ما لا يتناغمُ مع دنياهم أينَ تشتكي فوضاويَّتُها من أزمةِ القيمِ والعلم الرباني القائم على فكرتي الحقِّ والباطلِ؛ حتى لا نحتَظَّ فيها أقلَّ مقوِّماتِ الكرامةِ والعيشِ بشرفٍ من عَرقِ حقوقِنا لا من عطفِ جبروتِهم لنبعث مفهوم الموت غير المندرج في قاموسِنا ليتسلقَ مصفوفة قيمنا أمام واقٍ ينعدمُ فيه كيانُنا فيه ومسوغاتُ وجودِنا كذلك.
وحتى نصبَّ الأمر بوضوحٍ وجلاءِ شديدين لأصل إلى بيتِ القصيد، لتسمعَ من لسانِ حالنا أستشعر فيه عجباً لعُجابِ أي ابن امرأة يقولُ: يا عبدَ الكريم دعك من مجابهةِ الصهينةِ والصهاينةِ فكراً ونقدِ الدولةِ و المجتمعِ بناءً ودعك من هذا ولن تستطيع أن تغيِّرَ في الأمرِ شيئاً!!، وأردُّ بقلبٍ حارٍ أنا على مقربةٍ من حتفي في كلِّ لحظةٍ أمارسنَّ فيها منطقي وإن متُّ فيه، فشرفّ لي أن أكون أنموذجاً في وقتٍ تخرسُ فيه الألسنُ وتُصمُّ الآذانُ تحت نعالِ الإذلالِ.
وليس ببعيد عنكم سواءٌ في غزةَ أو في الجزائر أو كلِّ من يعرفُني أني لا أحبُّ الاختصار سواءٌ على مستوى العلمِ أو السلوكِ، ولربما كنتُ من ورثة جدي لأمي الحلال وكُتِبَ لي نا فرضٌ من تركتِه، وما زلتُ أذكرُ أنه “رحمةُ ربي على رَوْحِه” وكذا هو معروفٌ بحي التفاح، إذ أسسَ ناديه الرياضِيَّ قد قُتِلَ حيثُ تصدَّر مشهداً أبى الكلُ فيه إلا هو نحوَ ذاك خطوةً.