بقلم: أ. صائب جمال أبو جزر.
ماجستير قانون عام.
عندما تتساقط القنابل على الخيام، وتُهدَم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتُقلَع الأشجار، وتُنسَف المستشفيات، والمدارس؛ منها ما تحوّل إلى مراكز إيواء، ومنها ما لم يبقَ له أثر، والجامعات تحوّلت إلى خواء، والشوارع تنبعث منها رائحة الموت، والناس يُقتَلون، ويُقطَّعون، ويُجوعون.. فكل ذلك يحدث بسبب من لا يرى في القانون رادعًا، ولا في أي قوة رهبةً له!
جريمة اليوم في مجمع ناصر الطبي لم تكن جريمة عادية، لكنها ستمر!
استهداف الصحفيين وعناصر الدفاع المدني داخل مرفق عام كالمشفى، هو امتداد ممنهج لسياسة الاحتلال في ضرب المنشآت المدنية، واستباحة ما لا يجوز استهدافه قانونًا ولا شرعًا ولا أخلاقًا. وبين النصوص والتطبيق، نضع أمامكم أحكام القانون الدولي ذات الصلة:
أولاً: الصحفيون
يحظى الصحفيون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا:
- البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (المادة 79) ينص على:
“يُعامل الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح كأشخاص مدنيين، ويجب حمايتهم بهذه الصفة. - كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في حرية التعبير، والذي يشمل حرية الإعلام.
وقد تعتبر المحكمة الجنائية الدولية (ICC) استهداف الصحفيين جريمة حرب، إذا وقع ضمن هجوم منهجي أو واسع النطاق ضد السكان المدنيين.
ثانيًا: الدفاع المدني
- تنص اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين وقت الحرب، وتشمل هذه الحماية العاملين في الدفاع المدني الذين ينفذون مهامًا إنسانية تهدف لحماية المدنيين ومساعدتهم على التعافي من آثار الهجمات أو الكوارث.
- أما البروتوكول الإضافي الأول (1977)، المواد 61–67، فيُعرّف الدفاع المدني على أنه مجموعة من المهام الإنسانية التي يجب ألا تُستهدف، ما لم يشارك أفرادها مباشرة في الأعمال العدائية، وهو ما لم يحدث.
ثالثًا: المستشفيات
- من منظور القانون الدولي الإنساني: اتفاقيات جنيف لعام 1949، وتحديدًا الاتفاقية الرابعة، تنص على أن: “المستشفيات المدنية، ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية، يجب أن تُحترم وتُحمى في جميع الأوقات.”
- المادة 18: “لا يجوز بأي حال من الأحوال مهاجمة المستشفيات المدنية التي تقوم بخدمة الجرحى والمرضى أو إلحاق الضرر بها.”
- البروتوكول الإضافي الأول (1977)، المادة 12 يؤكد: “لا يجوز أن تكون الوحدات الطبية هدفًا للهجوم، ويجب حمايتها واحترامها في جميع الأوقات.”
خاتمة:
ما جرى اليوم في مجمع ناصر الطبي من قصف طال منشأة طبية، وصحفيين، وأفرادًا من الدفاع المدني، هو انتهاك صريح لكل ما يقرّه القانون الدولي الإنساني، وتحدٍ سافر لأبسط مبادئ الإنسانية.
الاحتلال، بوقاحة معتادة، يمضي في جرائمه وكأنه فوق القانون، معلنًا صراحةً أنه لا يأبه بأحد، في مشهد لا يعكس إلا سياسة واضحة نحو الإبادة الجماعية، وعلى مرأى ومسمع العالم، دون أي محاسبة.
ولن يحاسب الاحتلال ابدا، وسينسى العالم هذه الجريمة بعد لحظات من التعاطف والتنديد، بنوع من الخجل حتى لا نزعج الصهيونية!