بقلم: د. نداء عبد العزيز رزق
أخصائية تحاليل طبية، مدربة صحية وكاتبة.
كيف يُسلب الحق على مرأى من الجميع؟
بعالم أصم أبكم أخرس، يهجرون مليوني نسمة بلا رحمة، كأن غزة لم تعرف السلام قط ، وكأن العالم يغمض عينيه عن دماء أطفالها وصرخات نسائها وشيوخها. هذه ليست هجرة عابرة، ولا نزوحًا مؤقتًا، بل محاولة ممنهجة لمحو شعب كامل من على وجه الأرض.
تكرر التاريخ نفسه، لكن بقسوة مضاعفة … أرض تُحاصر، بيوت تُقصف، حياة تُسلب، وكأن الزمن قد توقف عند ١٩٤٨، وتاريخ النكبة يعيد نفسه الآن، في ٢٠٢٥، بدون رحمة، بدون إنسانية. أطفال لا يفهمون سوى الخوف والصدمة، شيوخ لا يجدون ملاذًا، نساء تتشبث بما تبقى من كرامتها، وكل العالم يتفرج كمتفرج أعمى أبكم على مأساة مفتوحة.
غزة تهتف بصوتٍ لا ينكسر، تصرخ للعالم كله: لن نرحل! لن تسرقوا وجودنا! كل رصاصة وكل قصف وكل محاولة تهجير هي دعوة لإثبات صمودنا، لتأكيد أن شعبًا بأكمله لا يُهان بهذه السهولة، لا يُسكت ولا يُطوى.
أنتم تهجرون الجغرافيا، لكنكم لن تهجروا الروح. تحاولون محو الهوية، لكن ذاكرة غزة محفورة في القلب، في الحجر، في الدم، في الأرض التي لا تتركنا أبدًا. هذا شعب يعرف أنه على حق، وأن كل ظلمٍ مهما طال سيواجه صرخته الحقيقية، صرخة الحياة، صرخة البقاء، صرخة المقاومة.
لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه المحاولة الجديدة لإلغاء وجودنا. لن تقتلعوا جذورنا من الأرض، ولن يمحو التاريخ ذكرنا.
غزة باقية، بأطفالها، بشيوخها، بنسائها، بكل من بقي على قيد الحياة، وكل من مات من أجل أن يبقى الحق حيًا.
غزة تصرخ، غزة تحترق، غزة لن تُهزم مهما حاولتم.
إنها صرخة نارية، صرخة الغضب، صرخة الحق، صرخة كل من رفض أن يُسلب وجوده، صرخة تقول لكم: مهما هجّرتم ومهما دمرتم، لن نرحل، لن نستسلم، ولن ننسى.

