بقلم: أ. عبد الكريم العيسوي
ناشط قانوني
ما يقرِّرُه الواقعُ تاريخياً أن الفتن الداخلية في غزة المنبثقة عن النزعة العشائرية والعائلية الداعيةِ لتصفيةِ الحساباتِ واسترجاع الحقوق من منطلقِ القوةِ في ظلِّ غيابِ القانونِ وحضور الانفلاتِ الداخلي خطرٌ كبيرٌ يهدِّدُ وحدةَ المجتمعِ الغزيِّ، ومن يتحيَّزْ لعائلة أو عشيرة ويتعاطَ مع الأحداثِ على اعتبار التركيبةِ الاجتماعيَّة من أيِّ طرفٍ لا يرمي بذلك -دون الخوض في نيتِه أو علمِه- إلا النيلَ كما ينالُ العدوُ الأكبرُ منا.
إنَّ التفرغ وتسليط المكنة الإعلامية والدعمَ المادي لتأجيجِ الأزمة الداخلية بينَ أبناءِ الوطن لا يعدو إلا أن يكونَ سلاحاً آخر للعدو، ومهما افترضنا تعاظمَ ما يرتكبُه أي طرف أو فصيلٍ أو شخص أو جهاز أمني أو عشيرة أو عائلة إلا أن الوقت لا يتسعُ لذلك، ومن بابِ أولى أن يتعاظمَ الحقدُ ضدَّ العدو الأكبر الشيطاني كما لو تعاظمَ مع بني الصفِّ رغمَ قداسةِ الدم الفلسطيني المسفوكِ من أي أحد.
وعليه فإنّا إن كنا نُحسب على الطبقة الواعية فإنَّ الدور الذي ندعو إليه أنٌ نذكرُّ -إن نفعت الذكرى- أن تأتي فكرةُ التحرير والمقاومة وتمكين وتعزيز صمود الشعب على سلم أولوياتِنا وأن نعملَ في خدمةِ قضيتِنا في الداخل والخارجِ بأي شكلٍ كانَ في أن نقدِّمَ الصالحِ العامِ الوطني على أي صالحٍ آخرَ دونَ أن نتعاطى ما ينبعثُ بقصدٍ أو دونَ قصدٍ خارجَ المسار، لأنَّ القضيةَ أعمق وأبعدُ من ذلك بكثيرٍ.
و لهذا فإنَّ رسالتَنا لكلِ من لديه خلافٌ أن يؤجلَه حالما يتعافى الجرحُ الفلسطينيُّ، ولا نريدُ أن نتجاوزَ في تحليلنا أبعاداً لا ترضي الصفوف الأخرى من الوطن، وما عهدناه في مجتمعنا أن جل العشائر والعائلاتِ فيهم الخيرُ والبركةُ فهي الشريانُ الحكميُّ البديلُ في غيابِ الحكومةِ، والتاريخُ يشهدُ أنَّهم يحبون الإصلاح وحقن الدماء فالأولى أن يسعى كبارُنا في إعادة المجتمع إلى توازنِه وقوتِه ووحدتِه والدعوة إلى التسامح، ولينظروا بعينِ الرحمة إلى الوضع المأساوي المعاش فليس لدى شعبنا طاقةٌ ليتحمل كلَّ ذلك.