بقلم: أ. احمد عاطف الشيخ
محامي، ماجستير قانون عام
المقدمة :
لطالما كانت السياسة الفلسطينية مسرحاً للصراعات والتحديات التي فرضتها الظروف الإقليمية والدولية. فالفلسطينيون كانوا ولا يزالون يواجهون واقعاً معقداً من الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده، بالإضافة إلى الخلافات الداخلية التي شكلت جزئاً من معاناتهم اليومية. وفي ظل هذا الواقع، نجد أن السياسة الفلسطينية أصبحت ساحة متعددة الأبعاد، سواء كانت سياسية، اجتماعية، اقتصادية أو حتى ثقافية. وهنا يظهر تساؤل مهم: هل السياسة الفلسطينية تسير في الطريق الصحيح أم أن هناك نوعاً من “التياسة” التي تؤثر على القدرة على التقدم؟ في هذا المقال، سنستعرض تلك الثنائية: السياسة والتياسة في الواقع الفلسطيني.
أولاً: السياسة الفلسطينية:
السياسة الفلسطينية لم تكن يوماً مجرد “لعبة” أو “شأن داخلي” عادي، بل كانت دائمًا مسألة مصيرية. ففي خضم الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، كانت السياسة الفلسطينية هي الوسيلة الأساسية للمقاومة والنضال ضد الاحتلال. لقد شهدت الساحة الفلسطينية العديد من المحطات السياسية الهامة، من إعلان الدولة الفلسطينية إلى توقيع اتفاقيات مثل أوسلو، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وصولاً إلى تشكيل الفصائل والمجموعات السياسية المختلفة التي تمثل رؤى وتوجهات متعددة.
ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أن السياسة الفلسطينية تعرضت أيضاُ للعديد من التحديات والعثرات التي منعت تطورها بشكل يوازي تطلعات الشعب الفلسطيني. من الانقسام الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس” إلى عدم الوحدة السياسية في مواجهة الاحتلال، كانت السياسة الفلسطينية دائماً مليئة بالتحديات المعقدة.
ثانياً: التياسة في السياسة الفلسطينية:
أما التياسة في السياسة الفلسطينية، فهي تعني التردد والضعف في اتخاذ القرارات الحاسمة التي يمكن أن تساهم في تحقيق الأهداف الفلسطينية. فبينما يعاني الفلسطينيون من ضغوطات الاحتلال الإسرائيلي، تواجه السياسة الفلسطينية عثرات داخلية تعيق التقدم. إن التياسة قد تظهر في عدم وجود استراتيجية موحدة على المستوى السياسي، وفي عدم القدرة على توحيد الصفوف بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وهو ما يسبب انقساماً يعكس ضعفاً سياسياً يؤثر على مصير الشعب الفلسطيني.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار “التياسة” في السياسة الفلسطينية أيضاً انعكاساً للموقف الدولي المتردد حيال القضية الفلسطينية. حيث لا يزال العالم يقف عاجزاً عن اتخاذ خطوات حاسمة لدعم الفلسطينيين، وهو ما يزيد من إعاقة السياسة الفلسطينية التي تعاني من الانقسامات الداخلية والأزمات الاقتصادية.

مجلس الامن
ثالثاً:التحديات الداخلية والخارجية:
تتداخل التحديات الداخلية مع الخارجية في الواقع الفلسطيني، مما يزيد من تعقيد الوضع. فعلى الرغم من المحاولات العديدة للتوصل إلى حلول سياسية من خلال المفاوضات والاتفاقيات، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يقدم سوى المزيد من التوسع الاستيطاني وفرض القيود على الحركة الفلسطينية. وفي المقابل، فإن الانقسام الداخلي، سواء بين الضفة الغربية وقطاع غزة أو بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، يعرقل أي محاولات للوحدة التي قد تساعد في الضغط السياسي على الاحتلال.
الخاتمة:
إن الواقع الفلسطيني في السياسة يتسم بالتعقيد والتشابك بين الأمل والخيبة. ففي حين أن هناك العديد من الجهود التي تسعى لتحقيق السلام والحرية للشعب الفلسطيني، إلا أن هناك أيضًا تحديات كبيرة تعيق ذلك. السياسة الفلسطينية بحاجة إلى مزيد من التماسك الداخلي والوحدة بين مختلف الأطراف، وكذلك إلى استراتيجية واضحة تتسم بالحسم والواقعية. فقط من خلال تجاوز “التياسة” السياسية، يمكن أن تتحقق تطلعات الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة والعيش بسلام في أرضهم.