بقلم:أ. أحمد خالد العايدي
محامي فلسطيني وعضو لجنة الشباب الاستشارية فلسطين وعضو لجنة الشباب الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدارت والجريمة.
مقدمة:
في زمنٍ تتكسر فيه القوانين أمام آلة الحرب، ويذوب فيه الضمير العالمي تحت أنقاض الأطفال، يقف الشباب الفلسطيني كجدارٍ أخير لكل ازمة وطنية، في وجه العدوان الغاشم الذي اجتاح قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. لم يكن هذا الجيل مجرد رقم في قائمة الضحايا، بل كان شهيدًا، ومناضلًً، ومُسعفًا، ومراسلاً، ومقاتلًً في معركة الوعي والوجود.
“إذا الشعب يومًا أ ارد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”، قالها الشابي، فاستجاب الشباب الفلسطيني بنداء الحياة، لا استسلًمًا للموت.
هذا المقال لا يرثيهم، بل يضيء على الانتهاكات الصارخة التي ترتكب بحقهم، ويبرز أدوارهم في خضم الحرب، ويستشرف الأفق الذي يجب أن يكونوا فيه قادة لا تابعين، وشركاء لا ضحايا.
أوالاً: الًنتهاكات الجسيمة بحق الشباب الفلسطيني خلال الحرب!
1. الحق في الحياة… مُصادَر بالنار
منذ بداية الحرب، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر من 39,000، تشير التقدي ارت أن ما لا يقل عن ربعهم من فئة الشباب .
هذا الاستهداف الواسع يخالف المادة )6( من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
“الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”.
قُتلوا في الجامعات، في المستشفيات، في الشوارع، وتحت الركام.
حياتهم لم تزهق فقط، بل ألغيت حقوقهم الأساسية بوحشية.
كانوا كما قال الشاعر إبراهيم طوقان “وسأحمل روحي على ارحتي، وألقي بها في مهاوي الردى”.
2. حرية الرأي والتعبير… جريمة عقوبتها الأسر
في الضفة الغربية، لا ي ازل مئات الشباب والطلبة قابعين في السجون الإس ارئيلية بتهم تتعلق بـ”التحريض” لمجرد منشوارت أو شعا ارت.
المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص:
“لكل شخص الحق في حرية ال أري والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآ ارء دون تدخل”.
لكن ال أري في فلسطين يُعتقل، ويُعذّب، ويُكتم.
3. الحق في التعليم… صار ذكرى تحت الأنقاض
دُمّرت الجامعات، أغلقت المدارس، وانقطع آلاف الشباب عن د ارستهم.
أكثر من 88.000 طالب حُرموا من التعليم، واستشهد 653 طالبا من مؤسسات التعليم العالي.
المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان توضح:
“لكل شخص الحق في التعليم… ويجب أن يكون التعليم العالي متاحًا للجميع على قدم المساواة”.
لكن العدالة صامتة أمام حرق الكتب وقصف الجامعات.
ثانيًا: الشباب الفلسطيني… نار في وجه الغياب!
حين انقطعت الكهرباء، اشعلوا هم نارا.
حين سقطت الأنظمة، بنوا خيامًا للمساعدة.
حين غابت الدولة، صاروا هم الدولة.
لم يكن الشباب الفلسطيني فاعلًً طارئًا في هذه الحرب.
لقد كانو ا الخيط الأخير الذي حاك نسيج الصمود، ونسجوا من الشظايا نواة نظام بديل: إنساني، متماسك، طارئ لكنه…
1. الإغاثة الذاتية: حين صار التضامن أداة مقاومة في شوارع مدمرة، بين ركام البيوت، أرينا الشباب:
• يرفعون جثامين الشهداء بأيدٍ لا ت ازل تنزف من الحفر.
• ينقلون الأطفال من بين الركام إلى خيام الإسعاف.
• يطبخون لأسر نازحة في أفران من تراب، ويكتبون أسماء المفقودين على الجدران.
لم يكونوا فرق طوارئ مؤقتة، بل نواة بنية مجتمعية بديلة.
المقاومة هنا كانت أخلاقية، لً عسكرية.
مقاومة تبني ما هدمته الحرب، وتستعيد ك ارمة المكلومين.
“لم تبكِ غزةُ حين ضاقتْ بالمصابِ، بل نهضتْ تمشي على قدمِ الحقيقة، في رمادٍ لا يخاتِلْ ” من شعر أحمد دحبور
2. الإعلام الشبابي المقاوم: الكاميرا كسلاح أخلاقي لم تعد الصورة أداة توثيق فقط، بل فعلًً قانونيًا.
كل فيديو التقطه شاب من هاتفه، هو وثيقة حقوقية تصلح للمحاكم.
كل منشور، شهادة حية أمام ذاكرة العالم، وإن أنكرها الإعلًم الغربي.
لقد حول الشباب فضاء الإنترنت إلى محكمة أري عام عالمية، وأعادوا تعريف “المؤثر” من شخص تافه إلى من يصرخ بالحقيقة في وجه الإبادة.
المادة 19 من العهد الدولي تضمن هذا الحق:
“التمس المعلومات ونقلها بأي وسيلة كانت، دون اعتبار للحدود”.
“صورني يا أخي، فأنا أقاوم بالبقاء بالشاشة التي تفضح القاتل لا الخوف” رشا حلوة
3. الحارك الطلابي: جبهة مدنية تقاوم بالعقل
في جامعات بيرزيت، النجاح، الخليل، وحتى في أوروبا، حرّك الشباب وِجهة النقاش.
طالبوا بإلغاء اتفاقيات التوأمة مع جامعات إسرائيلية، أوقفوا محاضرات، اعتصموا، وكتبوا خطابات بأكثر من عشر لغات.
وتحوّل الحرم الجامعي إلى مساحة اشتباك مع الاحتلال الثقافي والسياسي.
وأثبت الشباب أنهم ليسوا أدوات تعليم، بل أرس مشروع تحرري فكري.
ثالثًا: ما بعد الحرب – الشباب كحجر أساس للنهضة!
1. إعادة تعريف القيادة: من المركز إلى الهامش والعكس ما بعد الحرب، لا يمكن أن تكون القيادة مشروعًا فوقيا.
إن لم تكن القيادة نابعة من الشباب، فلً مشروعية لها.
نحن بحاجة إلى:
• خفض سن الترشح في المؤسسات الفلسطينية.
• تشكيل مجالس شبابية استشارية مرتبطة بصناع القرار.
• دعم قيادات شابة تتجاوز الانقسامات الفصائلية .
إن الشباب لا يريدون مقاعد رمزية، بل مفاتيح تغيير حقيقية.
“كفانا رموازً تسكن القاعة
نريد من يمشي على الرمل معنا، لا على الميكروفونات”.
حسين البرغوثي
2. من التوثيق إلى المحاكمة: العدالة ليست شعااار توقف الحرب لا يعني نسيانها.
نريد أن يحاكم الجناة. وأن تجمع الأدلة، لا الدموع.
مطلوب تأسيس فرق قانونية شبابية:
• توثق وفق المعايير الدولية )بروتوكول إسطنبول، جنيف، لاهاي(.
• (Amnesty, HRW, ICC).تنسّق مع منظمات دولية
• تقدم دعاوى أمام المحاكم المحلية والدولية.
اتفاقية جنيف الاربعة، المادة 147:
“القتل العمد، والمعاملة اللًإنسانية، تمثل انتهاكات جسيمة تستوجب العقاب”.
فلنُعلم شبابنا أن الوثيقة أقوى من الرصاص أحيانًا.
3. التعليم والاقتصاد الرقمي: أدوات ما بعد الحرب الحرب دمّرت المدارس، لكنها لم تدمر العقول.
يمكن أن يكون الاقتصاد الرقمي سلًحًا حقيقيًا للخروج من الحصار:
• إطلًق جامعات رقمية شبابية.
• منصات تدريب مهني وتقني.
• شبكات إنتاج رقمية )برمجة، تصميم، محتوى( عابرة للحصار الجغ ارفي.
تحليل نقدي: الشباب الفلسطيني بين منظومتين… وصناعة البديل
مفارقة كبرى تحكم المشهد:
الشباب هم الفاعل الرئيسي ميدانيًا، لكنهم خارج دوائر التأثير رسميًا.
ثالثا: إشكاليات مركزية:
1. تهميش سياسي ممنهج رغم الدور المركزي لهم.
2. توظيف الإعلام المحلي والدولي لأدوارهم دون تمكين حقيقي.
3. غياب مؤسسة جامعة تعبّر عنهم وتاركم جهودهم بشكل استارتيجي.
ما المطلوب؟
• تأسيس مجلس وطني شبابي يمثل الداخل والخارج.
• إصدار “الميثاق الشبابي الفلسطيني” بمرجعية قانونية/حقوقية.
• دعم مبادارت شبابية مستقلة ماليًا ومنهجيًا.
• تحويل دورهم من ردّ فعل، إلى حالة قيادية مُنتجة للقرار.
الشباب الفلسطيني ليس بحاجة لمن يتحدث باسمه.
هو فقط بحاجة لمن يرفع الصمت عنه.
خاتمة: حين يصير الشباب تعريفًا جديدًا لفلسطين!
ليس السؤال: ماذا سنفعل بالشباب بعد الحرب؟ بل: ما الذي سنكونه بدونهم؟
لأنهم لم يكونوا جملة اعت ارضية في نص الحرب، بل الفعل الماضي والمضارع والمستقبل معًا.
هم الذين نسجوا من خيوط الكارثة خيمة دفء، ومن شظايا القذائف نافذة ضوء.
لم ينتظروا طائ ارت الإنقاذ، بل صاروا هم المنقذين.
لم يختبئوا في الزوايا، بل واجهوا الحرب بكل ما يملكون: بالصوت، بالصورة، بالحرف، بالحضور.
“لا تخبرني عن النكبة، فقد صارت في هويتي
أنا ابن هذه الأرض التي، إن صمتَ العالمُ عنها، نطق تُ” سميح القاسم
الشباب الفلسطيني ليس فقط من يقف في الطابور لينتظر مساعدات الأمم المتحدة.
هو من يضع شروط المستقبل ويكتب مسوّدة الوطن القادم.
فإن لم نسمح له بالقيادة، سنبقى نعيد الخطأ ذاته: أن نضع مفاتيح الوطن في أيدي من لا يحمل وجعه.
وكما قال الفيلسوف الإيطالي غ ارمشي:
“الأزمة تحدث حين يموت القديم… ويعجز الجديد عن أن يولد”.
لكن في فلسطين، لا يموت الجديد.
هو فقط يتأخر قليلًً …
ثم يولد من رماد، اسمه :الشباب.