بقلم: أ. هناء العلول
قصة تعكس معاناة شعبٍ بأكمله.
“ألم تنتهِ هذه الحرب بعد؟” تسأل، سؤال يرن في قلبها كل يوم، يزداد ثقلاً وصمتًا دون إجابة.
الحياة تحت الحصار لم تكن رحيمة. تقول: “نجوت من الموت أكثر من مرة، مثل كثيرين غيري، لكنني لم أنجُ من ألم ولادة طفل في زمن لا يعرف الأمان ولا البراءة.”
خبر حملها الثاني، بدلاً من أن يجلب الفرح، كان كصخرة هوت على صدرها. “كنت آمل أن تنتهي هذه الحرب خلال تسعة أشهر. لكن الأمل تبدد.” تعترف بألم: “الآن، كل ما يشغلني هو أين سألد طفلتي — الطفلة التي بدأت أكره قدومها، لا لذنبٍ اقترفته، بل لأن العالم الذي ستولد فيه قاسٍ وظالم وانا وولدالك غير قادرين على توفير الاحتياجات الاساسية لاختك من بامبرز او حليب.”
كلماتها مبعثرة، كأفكارها، لكن الحقيقة التي تحملها واضحة: هي ليست وحدها. آلاف الأمهات يسلكن هذا الدرب ذاته — ممزقات بين الفرح والخوف، بين الألم والاضطرار إلى التماسك.
لكن أكبر مخاوفها لم تكن على نفسها، بل على زوجها. تقول: “في الأيام الأولى للحرب، فقدت عمي وأخي الأكبر — صاحب القلب الحنون. ثم جاء نبأ استشهاد زوج أختي وأخي الآخر.”
فقدت أجزاء من قلبها الواحد تلو الآخر، ومع كل خسارة، كانت تنهار قطعة من روحها.
ومع ازدياد القصف، اضطرت عائلتها للنزوح جنوبًا — وكانت تلك بداية المرحلة الأقسى في حياتها.
بيدٍ تحمل طفلتها، ويدٍ تمسك بحقيبة الذكريات والخوف، وقلبٍ ينزف قلقًا على مصير زوجها الغائب، قطعت الطريق نحو المجهول.
عندما وصلت، وجدت زوجها ينتظرها، والدموع تملأ عينيه، منهكًا بطريقة لم ترها من قبل. “لم نلبث سوى يومين قبل أن يُطردنا صاحب المنزل بحجة أنه لا يستقبل شباباً.”
لم يتبقَ لهم سوى غرفة ضيقة مكتظة بسبعة أفراد من العائلة، بالكاد يجدون فيها هواءً للتنفس.
وبسبب الأعراف الاجتماعية، اضطر زوجها إلى الابتعاد، إذ لم يكن مرحبًا به في وجود أختها الأرملة.
المدارس المكتظة بالنازحين كانت الخيار الوحيد. “المجاري تطفح بسبب انقطاع المياه، وزوجي رفض بقائي هناك أنا وطفلتنا.”
لجأ إلى غرفة تضم عشرة شباب، ليكون هو الحادي عشر.
انقطعت أخباره مع انقطاع الاتصالات، ومع كل انفجار كانت تردد دعاءها لحمايته.
وبعد أسبوعين، استطاع أن يزورها أخيرًا. “رأى طفلته لأول مرة، وكان في عينيه فرح لم أره من قبل.”
لم يدم اللقاء أكثر من عشر دقائق — لكن تلك اللحظات اختزلت كل ما هو جميل في هذا العالم.
الخاتمة:
هذه ليست قصة أم واحدة، بل حكاية آلاف النساء في غزة — نساء يُجبرن على منح الحياة في حضن الموت، يحملن أطفالهن وأحلامهن بأيدٍ مرتجفة وقلوبٍ معلقة بالدعاء.
فهل يحنّ زمن السلام؟