بقلم: أ. فريد حجازي القصاص
محامٍ, ماجستير قانون عام
الطفل الذي لا تحضنه القرية سيحرقها كاملة كي يشعر بالدفء, لقد علمنا التاريخ أن المظلومية شعلة الراديكالية.
لقد شهدت تجارب الدول السياسية وحتى المدارس الفكرية تجاذباً جاوز حد الإختلاف الطبيعي إلى الانجرار نحو العنف بأشكاله المتعددة.
انها أزمة محورية رافقت تاريخ البشرية عامة والعرب والمسلمين والواقع الفلسطيني بشكل خاص.
وأود تبعاً لهذه التوطئة أن أسلط الضوء على مسألة التعددية الحزبية في فلسطين، فلطالما كان وجود الأحزاب أحد مظاهر الديمقراطية وركائزها، ولكنها في الواقع الفلسطيني استنزفت أكثر مما أثمرت.
أين تكمن المشكلة؟
إن الفصائل الفلسطينية حولت “تعدد زوايا النظر ” وهي حالة يفترض أن تكون صحية في الممارسة السياسية، إلى حالة من الخلاف والتجاذب، فبدلاً من الوصول إلى صيغ توافقية وحلول جماعية للمشكلات التي تعصف بحاضر الشعب الفلسطيني وتتعدى إلى مستقبله، نجد ازدياد الحدة وصولاً للتشتت وضبابية الرؤى.
هذه الحالة من التخبط هي ما تفسر ظهور التكتلات العشوائية الغير متناسقة لشخصيات جسورة ليس لها قاعدة شعبية تأخذ زمام المبادرة الخاطئة والجانحة.

الطفل في غزة
هل نحن بحاجة لحزب جديد؟
“من ضروب الحماقة تكرار المحاولة بذات الطريقة لتحقيق نتائج مغايرة”.
لقد كانت هذه الحالة مبررة بل وتشكل حاجة في حقبة قدوم السلطة الفلسطينية 1993، ولقد ظهرت بالفعل عديد من الأحزاب السياسية الوطنية والإسلامية بصيغ توافقية وتحت إطار السلطة الفلسطينية و لكن سرعان ما تم افشالها
وتعزيز جوانب هشاشتها، أما وإن كان ما كان دون تقويض تلك الحراكات لما وصل بنا الحال إلى حالة الإنقسام والتشظي، أو على الأقل لكانت أقل حدة مما نعايش.
ولكن لا يمكنني أن أجزم أو أعمم، فموضع ترحاب ولادة إطار ينطوي تحت منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ويعمل من داخلها بأيدي نظيفة لم تشارك في حالة الانقسام، ويعبر عن صوت كل حريص على هذا الوطن، وأنا أدعو إلى ذلك فعلاً ولكن دون الجنوح بعيداً عن منظمة التحرير، فلا يمكن إصلاح المنظمة من خارجها.
وأين الحل ؟
يقول مونتيسكيو في روح الشرائع أنه:
لا بد للدولة من ثلاث دعائم أساسية “القانون، القوة القابضة عليه، الفضيلة”.
- أما عن القانون فما أحوجنا لتحقيق الأمن القانوني وإعادة تفعيل السلطة صاحبة الاختصاص الأصيل والمنوط بها التشريع، وذلك من خلال إجراء الانتخابات التشريعية.
- وأما عن القوة القابضة على القانون، فلا بد من تحقيق الوحدة في سلطة وحيدة تقبض على القوة وتجمع بيدها السلطة ويناط بها حماية القانون دون منازع.
- والفضيلة الرادعة لشطط السلطة، و حامية المشروعية، والضامنة لعدم إساءة استعمال السلطة، و التي تستمد من الوجود الشرعي والمتوافق مع إرادة المحكومين.
تدق الحاجة في هذه الظروف الكارثية التي يمر بها شعبنا الفلسطيني إلى تنحية الخلافات جانباً والنظر بمسؤولية لمستقبل أجيال يحذوها الأمل أن تطالب بأبسط استحقاقاتها بالحياة الكريمة وتحقيق الوحدة والاستقرار للتفرغ لمجابهة المحتل الذي يسره هذا الشتات ومن مصلحته استمراره.