بقلم: أ. مجيدة محمدي
شاعرة وباحثة تونسية
في أروقة السلطة الأمريكية، حيث تتشابك خيوط السياسة مع مصالح المال والتكنولوجيا، يبرز تساؤل ملحّ: من يحكم الولايات المتحدة؟ هل هو الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أم رجل الأعمال المبتكر إيلون ماسك؟ وبينما يبدو الجواب بديهيًا للوهلة الأولى، فإن التعمق في ديناميكيات السلطة يكشف عن تداخل معقد بين القيادة السياسية والنفوذ الاقتصادي.
دونالد ترامب: الرئيس بسلطته التقليدية!
دونالد ترامب، الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة، يقود البلاد بسلطات دستورية تمنحه القدرة على اتخاذ القرارات السيادية وتوجيه السياسات الداخلية والخارجية. خلال ولايته الثانية التي بدأت في 20 يناير 2025، استحدث ترامب وزارة جديدة تحت مسمى “وزارة كفاءة الحكومة” (DOGE)، وعين إيلون ماسك على رأسها، بهدف تبسيط العمليات الحكومية وتعزيز الابتكار التكنولوجي.
إيلون ماسك: رائد الأعمال وصانع التأثير!
إيلون ماسك، بصفته الرئيس التنفيذي لشركات مثل “تسلا” و”سبيس إكس” ومالك منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، لم يكن مجرد رجل أعمال ناجح، بل تحول إلى شخصية ذات تأثير عميق على السياسات الوطنية والدولية. تعيينه وزيرًا لكفاءة الحكومة منحه منصة رسمية لتطبيق رؤاه التكنولوجية على مستوى الدولة.
إيلون ماسك
تأثير ماسك على السياسات الأمريكية والعالمية؟
تحديث البنية التحتية: أطلقت وزارة كفاءة الحكومة مشروع “هايبرلوب أمريكا”، وهو نظام نقل عالي السرعة يربط المدن الكبرى، مما يعكس رؤية ماسك لنظام نقل مستقبلي ويتماشى مع خطة ترامب لتحديث البنية التحتية.
سياسة الطاقة: تبنت الوزارة “مبادرة الهيمنة الخضراء” التي تهدف إلى تسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على استقلالية الطاقة الأمريكية. شملت هذه المبادرة دعمًا لمركبات “تسلا” الكهربائية وتوسيع مشاريع الطاقة الشمسية، مما يعزز من مصالح ماسك التجارية.
استكشاف الفضاء والدفاع: حصلت “سبيس إكس” على عقود حكومية لإطلاق الأقمار الصناعية والبعثات القمرية، مما يعزز من دور الولايات المتحدة في استكشاف الفضاء ويعكس رؤية ماسك لحضارة متعددة الكواكب.
تنظيم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا: دفعت الوزارة إلى إنشاء إطار فيدرالي لحوكمة تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره، مما يضع الولايات المتحدة كقائد عالمي في هذا المجال ويحمي مصالح ماسك في قطاع التكنولوجيا.
التأثير على السياسة الخارجية!
مع بروز إيلون ماسك كشخصية تجمع بين الابتكار والتأثير السياسي، تضفي ألوانًا جديدة على لوحة العلاقات الخارجية الأمريكية تمثلت خاصة في :
انسحاب الولايات المتحدة من المنظمات الدولية:
في خطوة جريئة، أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ووقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بالإضافة إلى تقليص دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). في هذا السياق، وصف إيلون ماسك USAID بأنها “عش للدود”، مشيرًا إلى ضرورة إغلاقها بسبب ما اعتبره فسادًا داخليًا.
العلاقات مع الصين:
تُظهر العلاقات المتشابكة بين ماسك والصين بُعدًا آخر لتأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية. تُنتج شركة تسلا، التي يرأسها ماسك، نحو نصف سياراتها الكهربائية في الصين، مما يعكس عمق الروابط الاقتصادية بين الطرفين. هذه العلاقات أثارت قلق بعض المسؤولين الأمريكيين، حيث أشار الجنرال المتقاعد راسل أونوريه إلى أن هذه الروابط قد تشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، خاصة في ظل استثمارات ماسك الكبيرة في الصين وعلاقاته الوثيقة مع المسؤولين هناك.
العلاقات مع الصين
التأثير على السياسة الأوروبية:
لم يقتصر تأثير ماسك على الساحة الأمريكية فحسب، بل امتد إلى أوروبا ، عبر منصته “إكس”، عن دعمه لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، مما أثار جدلاً واسعًا حول دوره في التأثير على الديمقراطيات الأوروبية. هذا التدخل أثار قلق القادة الأوروبيين، حيث حذر المستشار الألماني أولاف شولتز من التأثيرات الخارجية على الديمقراطية في ألمانيا.
دعم انسحاب الولايات المتحدة من الناتو والأمم المتحدة:
في تطور لافت، أبدى ماسك دعمه لانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة الأمم المتحدة، معربًا عن موافقته على منشور يدعو إلى ذلك. هذا الموقف أثار قلق الحلفاء الأوروبيين، خاصة في ظل التقارب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستبعاد الدول الأوروبية من المفاوضات الأمريكية مع موسكو بشأن الأزمة الأوكرانية.
خاتمة:
في ظل هذه التحولات، يتضح أن إيلون ماسك لا يقتصر دوره على الابتكار في مجالات التكنولوجيا فحسب، بل أصبح لاعبًا مؤثرًا في صياغة السياسات الخارجية الأمريكية. تتداخل مصالحه الاقتصادية مع رؤاه السياسية، مما يضيف طبقات جديدة من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي العالمي.
المراجع:
محمد زيدان. ترامب: رجل الأعمال في البيت الأبيض. الدار العربية للعلوم، 2020.
أحمد يوسف. السياسات الأمريكية في عهد ترامب: قراءة في الاستراتيجيات والتوجهات الجديدة. مركز دراسات الوحدة العربية، 2021.
مراجع حول إيلون ماسك وتأثيره في السياسة والتكنولوجيا:
أشرف فريد. إيلون ماسك: الرؤية والخيال بين التكنولوجيا والسياسة. دار الفكر العربي، 2023.
عبد الرحمن جاد. الثورة الصناعية الرابعة: كيف يقود رواد التكنولوجيا مستقبل العالم؟. دار النهضة، 2022.
دراسات حول العلاقة بين السلطة السياسية ورجال الأعمال:
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. المال والسياسة: تفاعل النخب الاقتصادية مع القرارات السياسية في العصر الحديث. 2022.
طارق النعمان. رأسمالية التكنولوجيا: كيف يغير رواد الأعمال معالم الاقتصاد والسياسة؟. دار النشر الأكاديمية، 2023.
تحليلات حول سياسات الطاقة والتكنولوجيا في أمريكا:
حسن عبد الله. التحولات في سياسات الطاقة الأمريكية: بين الاستقلالية والمصالح الاقتصادية. مجلة الدراسات الاستراتيجية، 2021.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. مستقبل الطاقة المتجددة في عهد الإدارات الأمريكية المتعاقبة. 2024.
