بقلم: أ. محمود ياسين النمروطي
محامٍ، ماجستير قانون عام.
التعليق الثاني “للاختصاصين القانونيين”
بادئ ذي بدء وفي اتصالٍ لا ينفك وبعد التعقيب على مدى دستورية قرار فخامة الرئيس محمود عباس وذلك بإستحداث وتعيين نائب رئيس دولة فلسطين، سنقوم بهذا الصدد بالتعقيب على مدى شرعية قرار الرئيس بإستحداث وتعيين نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي سياق متصل وحيث أن منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ومنصب نائب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس الدولة) ليسا نفس المسمى ولكل منهما طبيعة قانونية مختلفة – في حال الإتفاق على مشروعية استحداثهما-
فمن حيث الطبيعة القانونية لكل منصب فإن منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية يتبع منظمة التحرير الفلسطينية، وهي كيان سياسي يمثل الشعب الفلسطيني دوليًا، ويستمد شرعيته من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، وهو منصبًا سياسيًا داخل المنظمة، ويعمل في إطار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واختصاصاته تتعلق بعمل المنظمة وليس بشؤون السلطة الوطنية الفلسطينية.
أما منصب نائب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس الدولة) فهو منصب يتبع السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي كيان إداري وحكومي يدير شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة، ويستمد شرعيته من القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 وتعديلاته، والذي ينظم عمل السلطة الفلسطينية، وبذلك يكون جزءًا من السلطة التنفيذية، ويخضع لصلاحيات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
وبالتالي فإن الإختلاف في الجهة التي يخضع لها كل منصب، فمنصب نائب رئيس منظمة التحرير يتبع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ونائب رئيس السلطة الوطنية يتبع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس دولة فلسطين) ، ويعمل ضمن النظام الإداري للحكومة الفلسطينية.
والتساؤل الذي يثار هنا وبعد التفريق بين كلا المنصبين في حال تم الإتفاق على مشروعية استحداثهما هو مدى شرعية هذا الإستحداث إذا لم يتم الإتفاق على هذا الإستحداث؟
من جانبنا نرى أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس دولة فلسطين) بإعتباره هرم أحد سلطات الدولة وهي السلطة التنفيذية فإن أي تصرف لا بد اتفاقه والوثيقة الدستورية المتمثلة بالقانون الأساسي الفلسطيني المعدل عام ٢٠٠٣ وتعديلاته، وحيث أن نص المادة (38) تقرر بأنه”يمارس رئيس السلطة الوطنية (رئيس الدولة) مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون”.
وبما أن القانون الأساسي الفلسطيني لم ينص على استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية فإن قيام الرئيس بإصدار هذا القرار يعتبر مخالفاً للمشروعية الدستورية هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن الناظر إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير المعدل في 18 تموز لعام 1968 يجد أن هذا النظام لم يعطِ الرئيس صلاحية استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
واستناداً إلى ما سلف نجد أن قرار الاستحداث هذا لم يستند على صلاحية حقيقية لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس دولة فلسطين) لا من الوثيقة الدستورية ولا من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
والتساؤل الأكثر أهمية في هذا التعليق وفي حال اتفاقنا على عدم شرعية قرار استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير من قِبَل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس الدولة) كيف لنا أن نطعن في عدم شرعيته وأمام من؟
تعتبر هذه المسألة غاية في الأهمية لكن للإجابة على هذا التساؤل لا بد من معرفة مرتبة النظام الأساسي لمنظمة التحرير في السلم القانوني للتشريعات.
من وجهة نظرنا ومما لاشك فيه يعتبر النظام الأساسي لمنظمة التحرير هو المرجعية الدستورية للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته لانه ببساطة أسبق تاريخاً ووجوداً من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته، إلا أنه وعلى الرغم من من ذلك لا يمكن اعتبار هذا النظام جزءً من المنظومة التشريعية الفلسطينية، فهو لا يعد تشريع دستوري لمخالفة مفهوم وتعريف الوثيقة الدستورية حيث أن التشريع الدستوري عبارة عن مجموعة قواعد قانونية تنظم عمل السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ونظام الحكم والحقوق والحريات وهذا ما يفتقده النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كما انه لا يعد تشريع عادي(قانون) وذلك لأنه لم يصدر عن سلطة تشريعية – لإتفاقنا مع المعيار الشخصي لإعتباره تشريع عادي- كما أن طريقة اصدار هذا النظام لم تتبع اجراءات وخطوات نشر التشريع العادي.
ونرى كذلك أنه لا يمكن اعتباره بمنزلة التشريع الفرعي، وذلك لأن التشريع الفرعي يكون صادر عن سلطة تنفيذية ويأتي أما تنظيماً لمسألة في التشريع العادي أو تنفيذاً لها مما جاء ذلك خلواً في النظام الأساسي لمنظمة التحرير.
وفي سياق متصل فإن تسميته بالنظام لا يعطيه مرتبة التشريع الفرعي (اللائحة) لأن العبرة ليست بالمسمى، وخير دليل على ذلك هو النظام الداخلي للمجلس التشريعي فعلى الرغم من تسميته بالنظام الداخلي إلا أنه يأخذ مرتبة التشريع العادي (قانون مكمل)، ونرى أن تسمية النظام الأساسي بالنظام بإعتباره وثيقة تنظيمية داخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

الرئيس: محمود عباس
واستناداً إلى ما سلف يثار التساؤل على مدى امكانية الطعن بقرار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس الدولة) القاضي بإستحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير أمام محاكم القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية؟
داية يستلزم الطعن أمام محاكم القضاء الإداري أن يكون محل الطعن تشريعاً فرعياً(لائحة أو قرار) يخالف تشريعاً عادياً، وبما أن قرار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية(رئيس الدولة) قراراً تنظيمياً يخالف النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي لا يعتبر بدوره جزءً من المنظومة التشريعية، وبالتالي تم فقدان أحد شروط الطعن، لذلك نرى استحالة الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري.
وبالنسبة إلى مدى امكانية الطعن بقرار الإستحداث أمام المحكمة الدستورية فإنه يمكن الطعن فيه بإعتباره قراراً تنظيمياً سنداً لنص المادة (103/1) من التشريع الدستوري الفلسطيني، والمادة (24) من قانون المحكمة الدستورية الفلسطينية وذلك لمخالفتة نص المادة (38) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته، كما أنه لا يجوز البتة التذرع بحالة الضرورة لإصدار هذا النوع من القرارات وذلك لأنه يمكن بسهولة تعديل النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية لإستحداث نص في النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية يتيح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (رئيس الدولة) سلطة تعيين نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك وفقاً لنص المادة (29) من هذ النظام المعدل التي تنص على أنه”تعديل هذا النظام الأساسي أو تغييره أو الإضافة إليه من سلطة المجلس الوطني للمنظمة بأغلبية ثلثي اعضائه”، فحالة الضروة من وجهة نظرنا لا يمكن التذرع بها إلا إذا انعدمت جميع البدائل والخيارات القانونية فإذا ما اتيحت يعتبر اللجوء إليها التفافاً على النص الذي يتيح استخدامها.
فعلى سبيل المثال وللخروج من مأزق عدم مشروعية القرار من الممكن التعديل بالإضافة في النظام الأساسي لمنظمة التحرير وذلك على النحو التالي:
” استنادًا إلى أحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد الاطلاع على مقتضيات المصلحة الوطنية، قرر المجلس الوطني الفلسطيني في جلسته المنعقدة بتاريخ (ــ/ــ/ـــ) تعديل النظام الأساسي وفقًا لما يلي:
المادة (1): تعديل المادة (ــ) من النظام الأساسي.
تُضاف الفقرة التالية إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية:
1. يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية نائب رئيس يتم تعيينه بقرار من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية(رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية).
2. يتولى نائب الرئيس مساندة رئيس المنظمة في أداء مهامه الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
3. يُحدد رئيس المنظمة مهام نائب الرئيس وصلاحياته بموجب قرار يصدر عنه.
4. يكون نائب الرئيس عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بحكم منصبه.
5. يستمر نائب الرئيس في أداء مهامه ما لم يصدر قرار من رئيس المنظمة بإعفائه أو تعيين بديل عنه.
وهذا اجتهاد مني لعلي اصيب واخطئ.