تولّي دونالد ترمب السلطة في الولايات المتحدة، بدا واضحًا أنّ بوصلته السياسية في الشرق الأوسط تنحاز بصورة مطلقة لإسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. لم يكن الأمر مجرد تقارب دبلوماسي أو تبادل مصالح تقليدي، بل تحوّل إلى اصطفاف كامل يُضحّي فيه ترمب بمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية طويلة الأمد من أجل إرضاء تل أبيب.
يظهر ذلك بجلاء في ملف إيران، حيث دفع ترمب إدارته إلى الانسحاب من الاتفاق النووي في خطوة لم تراعِ لا مصالح الحلفاء الأوروبيين ولا استقرار المنطقة. الهدف كان واضحًا: تلبية رغبة نتنياهو في عزل إيران، وإبقاء التوتر قائمًا بما يبرر استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي بدعم أميركي غير محدود. لكن هذه السياسة لم تُضعف إيران بقدر ما فتحت المجال لتصعيد أمني واقتصادي يهدد المنطقة بأكملها.
إلى جانب ذلك، سعى ترمب إلى إعادة رسم خريطة الاقتصاد في الشرق الأوسط عبر صفقات وتسويات اقتصادية تخدم فكرة “السلام الاقتصادي” التي طالما طرحها نتنياهو، والتي تختزل القضية الفلسطينية في مشاريع تنموية مؤقتة، بينما يتم تكريس الاحتلال والهيمنة على الموارد. هذه المقاربة ليست سوى إعادة إنتاج لمشروع قديم: شيطنة الشرق الأوسط وتصويره بؤرة للأزمات، ثم التسلل إلى قلب اقتصاده وقراراته السيادية تحت شعار “الحماية” أو “التطبيع”.
إنّ خطورة هذه السياسات تكمن في أنها تجعل من واشنطن شريكًا مباشرًا في مشروع إسرائيلي يهدف إلى تفكيك المنطقة وتطويعها، بدل أن تكون الولايات المتحدة طرفًا يسعى لتحقيق توازن واستقرار يضمن مصالحها ومصالح شركائها. بهذا، فإن ترمب ونتنياهو لم يكتفيا بتأجيج صراع مع إيران، بل عملا على إعادة صياغة مفهوم الشرق الأوسط في العقل الغربي باعتباره مسرحًا للفوضى لا يمكن ضبطه إلا من خلال التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي.
شيطنة الشرق الأوسط بهذه الطريقة ليست سوى محاولة لطمس حقيقة أن المنطقة غنية بمواردها وإمكاناتها البشرية، وأنها قادرة على بناء نموذج مستقل للتنمية بعيدًا عن الهيمنة. لكن مع كل تحالف من هذا النوع، تُدفع الشعوب أكثر نحو دفع أثمان باهظة من الاستقرار والأمن والسيادة.

