بقلم: أ. غادة محمد
ناشطة إعلامية، وكاتبة أدبية
في زمنٍ تتناوب فيه أصوات المدافع على ابتلاع الصمت، وتتناثر الأرواح كما تتناثر أوراق الخريف على طرقٍ مهجورة، وُلدت حكاية لم يكن لها أن تولد. وسط الركام، حيث يختبئ الأمل خائفًا في الزوايا، تفتّحت زهرة صغيرة من شعورٍ دافئ، حبٌّ تشبّث بالحياة كجذورٍ ضاربة في صخرٍ قاسٍ. لكنها حكاية لم يُكتب لها بالاكتمال…
في مدينتي الصغيرة حيث يمتزج أزيز الرصاص بنبض القلوب المرتجفة، ولد حب على هامش الخوف ،هو لم يكن كغيره من قصص العاشقين؛ بل كان يتمسك بالحياة من قلب طغيان الموت ،يحاول مرارا أن ينمو وسط الركام ،ليزهر في أعماق الروح…
هي حرب طاغية لا ترحم ، لا تعترف برسائل العشاق وأناتهم الموجوعة، ولا تترك للمشاعر فسحة كي تطلق العنان وتتنفس.
في لحظة ما لم تكن بالصدفةِ العابرة، أو لقاء في زحام الكلام ، التقيا في بداية الطريق على حدود الخطر غريبين أثلقهما الوجع والأسى؛ فلم يكن في الحسبان أن يقعا في الحب، وأن ينبض القلبان من جديد بعد أن استبق الضوء الخفي لينير الطريق المظلم.
ومع ذلك أحبا بصمت، بخوف، وبقوة من لا يملگ شيئاً يخسره سوى بعض الأمل…
الحب هنا لم يولد من رومانسية الكتب، بل من عطشٍ للحياة وسط موتٍ جماعي. كل ما كان بينهما ليس أكثر من بضع دقائق، بضع جمل متقطعة يغطيها صخب الطائرات ومع ذلك كان كافيًا ليترك أثرًا أعمق من أي زمن طويل…
وفي صباح متعب اتفقا على اللقاء ، لقاء الروح بالروح؛ لكنه لم يأتِ بعد.
قذيفة سقطت قرب مكان اللقاء الأول، ليصبح الأول قبل أن يجتمع الحبيبين، والآخير بعد الوداع.
تبحث هنا وهناك دون جدوى، تسمع صوت الإسعاف لكن لادليل، لاخبر مؤكد ،عقل مشتت، ونظرات حائرة ممزوجة بصمت ثقيل يطوقها كلما سمعت صوت قلبها خافقاً بأعلى الصوت…
ومنذ ذلك اليوم وهي تنتظر، وتنتظر بعد لفرصة أخيرة كي تقول له ما لم تسعفها الحرب ان تبوح به أمام حبيب الروح.
وهكذا…
تنتهي بعض القصص لا نهاية حقيقية ولا بداية واضحة ، الحب لم يكتمل، نعم لكنه لم يمت. تحوّل إلى حكاية تتردّد كالصلاة بين أنقاض الأرض، لتقول: حتى في أشرس الحروب، يولد شيء لا يُقهر، اسمه الحب.

