بقلم أ. سالم ابراهيم الجزار.
محامي ومختص في الشأن الفلسطيني.
مقدمة:
تشكل الحرب القائمة على قطاع غزة المحاصر بل المحتل أحد أبرز التحديات القانونية والإنسانية في عصرنا الحديث، حيث تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية. وتطرح هذه الحرب تساؤلات عدة حول مدى التزام الأطراف المعنية بالقانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان، كما تتطلب دراسة تحليلية متعمقة للإطار القانوني الذي ينظم الصراعات المسلحة في ظل تحول النزاعات إلى ظواهر عالمية تتأثر بسياسات القوى الكبرى والداعمين الدوليين.
خلفية النزاع:
بدأت جذور الصراع في قطاع غزة منذ عقود، حيث تصاعدت التوترات بين إسرائيل والفلسطينيين، ما أدى إلى سلسلة من المواجهات العسكرية. ومع تطور الأحداث، أصبح النزاع ليس محصورًا في حدود منطقة جغرافية معينة، بل امتد أثره على الساحة الدولية، من خلال مواقف الدول والمنظمات الدولية التي تتابع الأحداث وتدعو إلى ضبط النفس واحترام القانون الدولي. وفي ظل هذه التحولات، تبين أن الحرب على غزة ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي جزء من معادلة جيوسياسية معقدة تتداخل فيها مصالح دولية وإقليمية متعددة.
الإطار القانوني الدولي:
يُستند تنظيم النزاعات المسلحة على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية المدنيين وضمان حقوق الإنسان في أوقات الحرب. من أهم هذه الآليات:

الإطار القانوني الدولي
1. القانون الدولي الإنساني:
ينص القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين. إلا أن استخدام إسرائيل للقوة المفرطة في غزة والتسبب في خسائر بشرية فادحة ومصادرة المرافق الحيوية، يثير تساؤلات حول مدى تطبيق هذه المبادئ في ظل الحرب العالمية على غزة.
2. المسؤولية الدولية للأفعال العدائية:
تتجلى في النزاعات المسلحة مبدأ المساءلة القانونية، حيث يجب على الدول والمجتمع الدولي محاسبة الأطراف التي تنتهك أحكام القانون الدولي. وقد شهدت الحرب على غزة دعوات متزايدة لتفعيل آليات التحقيق أمام المحكمة الجنائية الدولية وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة.
3. القانون الدولي لحقوق الإنسان:
يضمن هذا الإطار القانوني حقوق الأفراد في الحياة، والصحة، والكرامة الإنسانية، كما يحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. وفي مواجهة الانتهاكات المتكررة، تتضح أهمية مراقبة تطبيق هذه الحقوق، وتفعيل آليات مساءلة دولية لضمان تحقيق العدالة للضحايا.
البعد الدولي للحرب على غزة:
لقد أصبحت حرب غزة محورًا لتدخلات دولية وسياسات خارجية متعددة، تبرز في النقاط التالية:
1. التدخل السياسي والدعم الدولي:
تلعب القوى العالمية والإقليمية دورًا رئيسيًا في دعم أو معارضة الأفعال العسكرية، مما يؤثر بشكل مباشر على مجريات النزاع. وقد أدت التحالفات والتحركات الدبلوماسية إلى تعميق الانقسام في المجتمع الدولي حول مسألة غزة، ما ينعكس سلبًا على فرص الوصول إلى حل سلمي.
2. الرقابة الدولية والإعلام:
يلعب الإعلام الدولي والمنظمات الحقوقية دورًا مهمًا في توثيق الانتهاكات وتسليط الضوء على معاناة المدنيين، مما يساهم في الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات قانونية وسياسية ضد من ينتهك القانون الدولي.
3. المساعدات الإنسانية والضغوط الدولية:
أسفرت الحرب عن أزمات إنسانية حادة، مما استدعى تدخلاً دوليًا لتقديم المساعدات والضغط على الأطراف المتحاربة لضمان حماية المدنيين. ورغم ذلك، يبقى وصول المساعدات محدودًا في ظل القيود والإجراءات التي تفرضها القوات الإسرائيلية.

القصف على غزة
التحديات القانونية والمسؤولية الدولية!
يبقى تحدي تطبيق القانون الدولي في النزاعات المسلحة قائمًا، خاصة في سياق حرب غزة، حيث يصعب الفصل بين الأبعاد العسكرية والسياسية. ومن أهم التحديات:
• إثبات المسؤولية: تواجه الجهات القضائية الدولية صعوبة في جمع الأدلة وتحديد المسؤوليات بدقة، مما يؤثر على فعالية آليات المحاسبة.
• التداخل بين القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان: يحتاج النزاع إلى إطار قانوني موحد يعالج الانتهاكات التي تتجاوز حدود النزاعات المسلحة التقليدية.
• الضغط الدولي والتدخل السياسي: تؤدي التحالفات السياسية والدعم الدولي لبعض الأطراف إلى تعقيد المسار القانوني لتحقيق العدالة والمساءلة.
خاتمة:
يشكل العدوان الإسرائيلي على غزة في إطار عالمي تحديًا قانونيًا وإنسانيًا يتطلب جهودًا مكثفة من المجتمع الدولي لتفعيل آليات التحقيق والمساءلة، وضمان حماية المدنيين. وفي ظل الانقسامات الدولية والتحديات المتشابكة، يبقى احترام القانون الدولي والالتزام بمعايير حقوق الإنسان ضرورة ملحة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. يتطلب ذلك تعاونًا دوليًا جادًا لتجاوز الأزمات القائمة، وضمان عدم الإفلات من العقاب للمخالفين، مما يسهم في إعادة الثقة وتحقيق العدالة للمناطق المتضررة.