بقلم أ. أنس جبر شعت
في غزة، لا يعود الجوع مجرد شعور عابر، بل أصبح عدوًا دائمًا يفتك بالأجساد كما تفعل القنابل بالمنازل. لا شيء يُشبِع البطون الخاوية، ولا شيء يوقف هذا التيه الذي صار عنوانًا لحياة أناسٍ باتوا غرباء في مدينتهم، مشردين داخل حدودهم، يطاردهم الخوف من كل زاوية، ويضربهم الجوع من كل جهة. هنا، الأطفال لا يبكون بسبب اللعب أو الشوق، بل يبكون من وجع الجوع، من الألم الذي لا يُسكنه دواء، ولا تنهيه صرخة. أمهات يتقاسمن اللقمة بين خمسة، وستة، وسبعة أطفال، ويُخفين وجعهنّ خلف ابتسامة باهتة، كي لا يرعبن الصغار أكثر.
الجوع في غزة ليس جوع فقر فقط، بل جوع حرب، جوع حصار مطبق، جوع ناتج عن الدمار الذي طمس المخابز، ومخازن الغذاء، وشرايين الحياة. لا شيء متاح هنا، لا عمل، لا دخل، لا أمن، لا أمل. الناس يسيرون وكأنهم أشباح، يبحثون عن ظل نجاة، عن بقعة نور، عن شيء لا يُقاس بالرغيف فقط، بل بالكرامة، بالبقاء، بمعنى الحياة ذاته. الوجوه متعبة، العيون غائرة، والأحلام ضائعة. لا أحد يعرف إلى أين تمضي الأمور، ولا أحد يجرؤ على سؤال “متى تنتهي هذه الكارثة؟” الإجابات مخيفة، والطرق مسدودة، ومن لم يمت بالقصف، يعيش في قصفٍ آخر اسمه الجوع والتيه والتخبط. في غزة، لم يعد الأطفال يحلمون بالمستقبل، أصبح الحلم لديهم هو وجبة كاملة، أو نوم دون خوف، أو يوم يمر دون بكاء.