بفلم: أ. عبد العزيز عرفة
محامي
القرار الأصعب
نحن أمام منعطف تاريخي وخطير بل الأخطر في تاريخ الصراع ان لم يكن في تاريخ هذه الدولة الممتدة منذ الكنعانيين.
نحن أمام محاولة لتصفية الدولة الفلسطينية وانهاء وجودها التاريخي.
لكن الصعب ليست المحاولة ولا المؤامرة نفسها، بل الصعب أننا من نعيش هذه الحقبة السوداء في هذا التاريخ المشؤوم، فنحن أمام خيارين كلاهما كارثي.
إما حياة بلا كرامة أو موت بطيء بشيء من الكرامة.
إما الصمود وحدنا بلا أي مقومات للصمود في وجه طغيان جائر لا لجام له قانونيا ولا إنسانيا.
أو الرضوخ لمخططاتهم والتسليم لهذه الفكرة الكارثية حفاظا على ما تبقى من أروحنا.
هل نحن قادرون على الصمود والثبات، أم أن التعب وتوقع الأسوأ قد نال منا.
ليس سهلا البتة أن نتخذ هذا القرار، وذلك كونه لا يتعلق بنا كأفراد، فإن كنت على الصعيد الشخصي قادر على الصمود ومستعد للتضحية بما تبقى من عمري الشاب وحتى بروحي نفسها، هل أنا مستعد للتضحية بعائلتي هل سيتمكنون من الصمود، أمي أبي أخوتي زوجتي طفلي القادم، هل سأحتمل رؤيتهم يعانون لعقود قادمة من الزمن، ناهيكم عن فكرة فقدانهم أصلا الواردة بشدة في هذا الصراع الذي أكل أصلا ما أكل من أعزائنا. هل الحفاظ على النفس أولوية شرعية في هذه الحالة كونه مقصد من المقاصد الشرعية الخمسة، أم أنه خيانة وتفريط بلا أي مسمى آخر ينطبق على هذه الحالة.
صراع مرير وقرار يجب أن نتخذه وندفع ثمنه الباهظ.
للأسف وقع علينا الإختيار لخوض هذا الإختبار الأصعب في حياتنا بل في تاريخنا كله، فالأمر متوقف علينا نحن، فهل نرضخ ونحافظ على ما تبقى مننا في مقابل فناء دولة عمرها آلاف السنين؟ وتحمل وصمة عار ستسجل في التاريخ ستلاحقنا شئنا أم أبينا؟ فالتاريخ لن يرحم، واللاحقون لن يبرروا لنا، فكما لمنا أجدادنا هل سيلومنا أحفادنا…
نحن نعيش فتنة هي الأقرب لفتنة المسيخ الدجال.
فهل هي جنة زائفة باطنها النار والندم بلا رجعة.
هل نختار النار على أمل أن نجازى على صبرنا بانفراجة كالجنة.
قرار صعب واختيارين أحلاهما مر بل علقم.
هل نتخذ من سورة الكهف عبرة وأن نترك نفسنا لقدر الله على أمل التدبير، وأن ما نراه مهلكا قد يكون فيه النجاة كثقب الخضر للسفينة.
أم نحافظ على أنفسنا كونها مقصدا من المقاصد الشرعية الخمسة.
في النهاية هو قرار من حق كل شخص اتخاذه بلا مزايدات من أحد، فليس هنالك من عاش أو تخيل ما نعيشه.
لذلك بدون تنظير سأتحدث عن خياري من وجهة نظري .
لست مستعداً للتخلي وتحمل وصمة العار، ليس بطولة ولا شجاعة، بل على النقيض إن صح تعبيري، سأتشبث بفتات الأمل، آملا ألا أندم أو أن تواجهني أصابع اللوم ممن هم في كنفي، سأتمسك بحبل الله وأستعصم به، أملا بالانفراجة الربانية، دون أي أمل في أي حلول دنيوية أو واقعية.
وسأحاول قدر استطاعتي التشبث حتى بالسراب ان وجد.

التهحير
لكن هل هنالك حل؟
من وجهة نظري المتواضعة جدا، والتي لا يعتد بها كوني مواطن فلسطيني غزي كما رأينا.
الحل بسيط.
للمفاجأة الحل بسيط.
فموقف الدول العربية وإن كان مشرفا في عدم دعم هذه الفكرة، ولكنه غير كافي، فإن طالبتمونا بالصمود ساعدونا على ذلك، وبدلا من نشر القوات المسلحة على حدودنا لمنعنا من الهجرة غيروا الحدود التي انتشرتهم عليها من باب اولى،
مجرد التنديد الاعلامي والمواقف الرسمية لا يكفي بلا ضغط حقيقي ملموس على أرض الواقع.
أنتم أنفسكم ترون فكرة التهجير مساسا بسيادتكم وأمنكم القومي، أي مبرر أدعى من ذلك للتحرك بكل الوسائل ابتدءا من الدبلوماسية وانتهاءا بالعسكرية.
فالصراع شئتم أم أبيتم قد وصل بابكم.
ولم يعد ينفع اغلاق الباب، فالعدو يطرق بقوة، والتمادي لدفع الباب بقدمه واردة جدا ولم يعد يخفى ذلك على أحد.
بإمكانكم استباق الأحداث وتدارك بعضا من واجباتكم المفروضة عليكم منذ بداية العدوان بحكم الجوار واتحاد اللغة والدين.
بإمكانكم تعزيز صمودنا بالضغط على العدو بكل ما أوتيم من قوة.
بإمكانكم تكفل هذا الشعب ماديا ومعنويا لتعزيز صموده وجعل الصمود خيارا ممكنا، وذلك من خلال ما يلي:
أولا: استغلال الحدود البرية المصرية لادخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية التي تمكن الغزيين من الصمود، بما يضمن تشغيل القطاع الصحي بنسبة لا تقل عن المئة بالمئة.
كذلك للقطاع التعليمي والخدمي والبنى التحتية وتوفير بديل لائق صحيا وانسانيا عن الخيام كالكرافانات السكنية.
بالإضافة لتوفير إعالات شهرية لكل الأسر سواء النازحين وغيرهم، فسوق العمل الغزي قد أصبح أثرا بعد عين.
والأهم أن يتم ذلك كله بما يحفظ كرامة الغزيين من خلال تكثيف نقاط التوزيع بما يضمن عدم اضطرار الناس للاصطفاف في طوابير تهدر كرامتهم.
ثانياً: التدخل في ملف الإعمار وتكثيف الجهود بما يضمن سرعة إنجاز هذا الملف زمنيا، فلم يعد يخفى على أحد استغلال العدو لهذا الملف كوسيلة للضغط على الغزيين وتيأيسهم من فكرة الصمود وكسر إرادتهم، فقد شهدنا كلا قطبي الشر والإبادة يلوحون بوجه الغزيين مرارا وتكرارا باستحالة العيش في غزة وحاجتها لما ثزيد عن خمسة عشر عاما لاعادة اعمارها.
لذلك فإن تدخل كثيف ومدروس من الدول العربية في هذا الملف من شأنه أن ينجز هذا الملف بسرعة فائقة، كون الإمكانيات موجودة ومتاحة لديهم سواء على صعيد التمويل وعلى صعيد المعدات وعلى صعيد الكفاءات وحتى على صعيد الأيدي العاملة اللازمة لتحقيق إنجاز سريع لهذا الملف
ثالثا: استعمال كافة خيارات الضغط الدبلوماسية الدولية من قطع علاقات دبلوماسية وتجارية وسحب سفراء واغلاق حدود .
رابعا: مؤازرة المنظمات الدولية التي وجهت اتهامات لاسرائيل او التي تدعم الفلسطينين والتي واجهت ضغوطا امريكية لهذه الأسباب مثل منظمة الصحة والأونروا والجنائية الدولية.
خامسا: توجيه الاتهامات في منظمة الأمم المتحدة ضد كلا طرفي الإبادة والتهجير وكسب ما أمكن من القرارات في هذا السياق.
سادسا: استغلال المواقف الدولية الحالية المناهضة لجرائم الاحتلال وفكرة التهجير.
ان تنفيذ ما سبق ليس مستحيلا بل إنه واجب تأخر تنفيذه وهو أمر سيجعل من فكرة الصمود أمرا قابلا للتنفيذ وسيجعل احلام ترامب أحلاما باهظة الثمن والذي من شأنه أن يدفعه للتراجع خطوات للخلف .
في الختام إن هذا الصراع لم يعد يخصنا وحدنا، وتركنا عراة في مواجهة هذا التسونامي لن يعصف بنا وحدنا، لذلك فإن دعم صمود الغزيين بكافة الطرق الفعالة لم يعد رفاهية ولا من باب الشفقة والخجل، بل أصبح أمنا قوميا، فقد بدأ البلل يصل ذقونكم، وبتم تعلمون مدى عنجهية وطمع الطرفين، وتهجير الغزيين ان حصل لا سمح الله حتى لو لم يكن على أراضيكم سيجعل منكم الفريسة القادمة لا محالة.
وستكونون قد أُكلتم يوم أُكل الثور الأسود.
ما هو مصير الفلسطينيين في غزة؟
للأسف مصيرنا وبقاءنا شئنا أم أبينا ليس بيدنا وحدنا، بل من جديد أصبحنا بحاجة لوقفتكم، عسى أن لا يتكرر الخذلان المعهود فتفنى فلسطين كأول خطوة تتبعونها لحاقا.
وأخيرا ما زلنا متمسكين بالأمل الرباني كأفضل حلولنا ولكننا نتمنى أن يأتي تدبير الله على أيديكم.