بقلم د. محمد أبو مطر
أستاذ القانون العام.
للأسف، من يرى أن ترامب أهوج في تصريحاته تجاه غزة وخطة التهجير فهو واهم ولا يدرك أن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان يتحكم بها بصورة أساسية الرئيس الأمريكي، إلا أنه محاط بمجموعة من المستشارين يكون لهم دور في توجيه سياسة الرئيس تجاه قضايا السياسة الخارجية، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الصراع مع إسرائيل. هذا الصراع يعد أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي يتم توظيفها لخدمة ودعم المشروع الصهيوني، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات وموازين القوى الإقليمية والدولية.

تصريحات ترامب حول غزة
الاختلاف هنا أن ترامب يتعاطى مع السياسة كمنهج استثماري للولايات المتحدة، وهذا ما يفسر طغيان البعد الاقتصادي والتجاري في سياسته الخارجية؛ بل إنه اعترف أن المال والقوة لهما السطوة على القيم في إدارة الملف السياسي بالنسبة له كرئيس. كما يعتمد على عنصر المفاجأة في إصدار القرارات والتصريحات لإحداث حالة الصدمة غير المتوقعة، التي تؤدي إلى الإرباك السياسي وتحويل الخصوم من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع والاستنزاف والانشغال بالرد، مما يوفر له بيئة خصبة للابتزاز السياسي والحصول على بعض التنازلات مقابل تخفيض سقف مطالبه التي سيعتقد الخصوم أنها تشكل انتصارًا ونتيجة للجهود التي انشغلوا بها في تحركاتهم السياسية.
فالتاريخ يشهد على ذلك فيما يتعلق بصفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. والأمر ليس ببعيد فيما يتعلق بطرح خطة التهجير، التي باتت كافة التحركات السياسية العربية والإقليمية منشغلة بها. فهو يدرك صعوبتها، إلا أنه في المقابل يسعى إلى خلق واقع جديد يتم فيه إخراج غزة من الجغرافيا الوطنية للشعب الفلسطيني وفق أي صيغة مستقبلية. وهو هدف يتطلب إفشاله وحدة الموقف العربي والإقليمي والتحرك الدولي للتصدي له.
أما بشأن التحركات السياسية العربية والإقليمية، بما في ذلك الدعوات لعقد لقاءات موسعة ومؤتمرات في إطار المنظمات الإقليمية التي تتبناها بصورة أساسية مصر، فقد يفضي ذلك إلى عدة سيناريوهات:
اولاً: أن تستقوي مصر بمخرجات ونتائج هذه اللقاءات والمؤتمرات لتحسين الموقف العربي والإقليمي لمواجهة تلك الخطة، فيصبح التصدي توجهًا إقليميًا وعربيًا ودوليًا، على الأقل حتى وإن لم يتم الاتفاق على تبني برنامج واضح لهذا التصدي.
ثانيًا: أن تضع مصر باقي الدول العربية والإسلامية أمام مسؤولياتها في مواجهة الخطة وما ستؤول إليه الضغوطات الأمريكية في حال لم يكن هناك موقف موحد يمكن المراهنة عليه للتصدي لخطة التهجير، وتكون الدول العربية والإسلامية على استعداد لدفع كلفته السياسية في علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثًا: أن تطرح بعض الدول تبني خطة بديلة قد يتم الضغط لتحمل الدول العربية والإسلامية الكلفة المالية والسياسية لتنفيذها، ومن الممكن أن تكون هذه الخطة بمثابة إعادة إخضاع قطاع غزة لإدارة بديلة، لكننا نتمنى أن تكون هذه الإدارة ليست إقليمية؛ بل أن يتصلب الموقف العربي والإقليمي تجاه أن تكون هذه الإدارة هي وحدة لمؤسسات الدولة في غزة والضفة لمواجهة المخطط الصهيو أمريكي في إقصاء غزة عن الجغرافيا الوطنية.