بقلم: أ. احمد عاطف الشيخ
محام، ماجستير قانون عام
في كل مرة يعلن فيها عن جولة جديدة من المفاوضات أو هدنة مؤقتة، يكون الثمن دائماً دماء الغزيين. كأن أرواح الأطفال والنساء والشيوخ في غزة أصبحت وقوداً تشعل به الأطراف أوراق التفاوض، وكأن المعاناة الإنسانية تحولت إلى أرقام تستخدم في ميزان المصالح السياسية.
المفارقة المؤلمة أن دماء الأبرياء لم تعد توقف الحرب، بل تستخدم لشرعنة استمرارها تحت حجج واهية: “فرصة للضغط”، “أداة للتفاوض”، أو “وسيلة لانتزاع المكاسب”. وبينما يحترق الغزيون تحت القصف والجوع والتهجير، يجلس المتفاوضون في عواصم العالم يلوحون بـ”ورقة غزة” كأنها ليست وطناً، بل ملفاً على الطاولة.
إن استمرار التعامل مع مأساة غزة بهذه العقلية يُشكّل خيانة أخلاقية وسياسية، تتطلب من الجميع—قيادات وشعوبًا—وقفة ضمير حقيقية.
دماء الغزيين حطب المفاوضات: متى تتوقف المتاجرة بالألم؟
في خضمّ الحرب الدامية التي تعصف بقطاع غزة منذ أشهر، تحولت دماء الغزيين إلى أداة تفاوض وورقة ضغط تتقاذفها الأطراف المتنازعة على الطاولة السياسية. لا يكاد يمر يوم دون إعلان عن اجتماع سياسي، أو محادثات برعاية دولية، أو وساطة إقليمية، وكأن صرخات الأطفال، وأنين المصابين، وأنقاض البيوت ليست إلا أرقاماً توثق حالةً إنسانية تستخدم عند الحاجة لتحسين شروط المساومة.
المأساة كوسيلة ضغط . بينما يئن القطاع تحت القصف والتجويع والنزوح القسري، يتحدث الساسة عن “فرص سياسية” و”إعادة ترتيب الأوراق”. دماء الغزيين لم تعد توقف الحرب، بل أصبحت وقودها. وأصبح المشهد مألوفاًو جثث الشهداء تغطى بالتراب، ثم تفتح جلسة مفاوضات جديدة في الدوحة أو القاهرة في مشهد تراجيدي لا ينتهي.
هل هذه مفاوضات أم مقايضات؟
الحقيقة المرة أن المفاوض الفلسطيني، سواء كان تابعاً للسلطة أو لحماس ، لم يرتق إلى مستوى الألم الشعبي. الخطابات الرنانة عن المقاومة أو “النضال السياسي” أصبحت غطاءً لواقع مشين، يتمثل في المتاجرة المباشرة أو غير المباشرة بدماء شعب أعزل. أما القيادة الإسرائيلية، فترى في استمرار المعاناة أداة لتحقيق أهدافها الأمنية والانتخابية، حيث يهدد بعض قادتها بتوسيع العملية العسكرية كلما شعروا بتراجع التأييد الشعبي.

الشعب هو الضحية
الغائب الأكبر هو الشعب في زحمة التصريحات والتحليلات والاستراتيجيات، غاب الشعب الفلسطيني عن المعادلة. المواطن العادي الذي فقد بيته أو أطفاله، والذي يحاول النجاة في خيمة أو نفق أو تحت الأنقاض، لا يعرف شيئًا عن تفاصيل اتفاقيات وقف إطلاق النار، ولا تهمه بنود ترتيبات ما بعد الحرب. كل ما يريده هو الحياة، ببساطتها وأمنها.
متى تتوقف المتاجرة بالألم؟
لن تنتهي هذه المأساة طالما استمر التعاطي مع غزة ككرت تفاوضي وليس كوطن ينبض بالحياة. يجب أن يعاد الاعتبار للدم الفلسطيني، لا بوصفه أداة ضغط، بل كقيمة إنسانية مقدسة. المطلوب اليوم قيادة عقلانية وشجاعة تضع حداً لهذه الدائرة الجهنمية، وتوقف الحرب بأي ثمن، لا أن تواصلها بأي مبرر.