بقلم: أ. عبدالعزيز عرفة
منذ السابع من أكتوبر عام 2023 ونحن نتأكد شيئًا فشيئًا أن كل ما كان حولنا وهم، وكل ما كنا نراه هو سراب، وما كنا نعتقد أنه منطق اتضح أنه الهزل بعينه، وما كنا نعتقد أنه حقيقة اتضح أنه خيال بحت! فقد تبين أن هناك الكثير مما كنا نعتقده مسلّمات عبارة عن متغيرات هشة جدًا.
كنا نعلم أن الغرب متحيز وأن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين، لكن لم نتخيل هذا التحيز الفج، بل الوقح!
فالناظر إلى المشهد الحاصل حاليًا في كيفية تعاطي العالم مع الحرب الروسية الأوكرانية منذ يومها الأول سيجد نفسه مذهولًا من شدة الفجاجة في التحيز، وذلك بغض النظر عن انتمائه… فالفارق بين المشهدين رهيب من ناحية التعاطي مع الحالتين، وعلى كافة الأصعدة.
نعم، نحن كعرب ومسلمين كنا نعلم بوجود هذا التحيز والتمييز ولم نتفاجأ به، لكن ما فاجأنا هو الفجاجة والوقاحة وفداحة الاختلاف في نفس الزمن، فقد:
– كنا نعلم بوجود التخاذل والمتخاذلين من بني جلدتنا، ولكن ليس بهذه الوقاحة والصفاقة.
– كنا نعلم بوجود المتمسحين بالقضية والذين حاولوا غسل صورتهم بقضيتنا الشريفة، لكن لم نتوقع أن يظهر اتساخهم بهذه السرعة وتخليهم بهذا الشكل وكأننا دمية أصبحت تجلب الخطر لا التسلية.
الفرق بين غزة وأوكرانيا!؟
– لقد تكاثف العالم بأسره على دعم أوكرانيا في جميع النواحي “عسكريًا، سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا، و…”، لقد باتت مخازن الأسلحة الأوروبية شبه فارغة من ضخامة ما قدموه من دعم عسكري، لم يتبقَ دولة أوروبية لم تقاطع روسيا وحلفائها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
– انفتحت كل أبواب الدول للنازح الأوكراني ولم يسمحوا للحرب الدائرة بين الجيشين أن تنتهك حرمة المدنيين.
حتى دوريات كرة القدم والفيفا لم تبخل بالدعم والتعاطف والمقاطعة.
أسئلة لا يمكن الاجابة عليها ممن يكيل بمكيالين!
هل يتذكر أحد منكم أنه رأى صورة لطفل أوكراني محترق أو مقطع الأوصال؟
هل رأينا منذ اندلاع تلك الحرب سيدة أوكرانية قد أصابها مكروه؟ هل هنالك من سمع عن عائلة أوكرانية أبيدت بأكملها وتم شطبها من السجل المدني؟
هل رأيتم أسرى أوكرانيين مدنيين يساقون عراة إلى المعتقلات تحت تهديد السلاح، رجالًا ونساء؟
هل سمعتم عن انتهاكات بحق الأسرى الأوكرانيين من تعذيب واغتصاب؟
هل سمعتم عن مستشفى أوكراني مأهول بالمرضى والأطباء والنازحين يتم حصاره واستهدافه بشكل مباشر ومتعمد؟
هل رأيتم أي استهداف لقوافل النزوح الأوكرانية؟
لم ولن نرى أو نسمع، ولو حصل فسيرى العالم ردة فعل مزلزلة.
ولكن ما يحصل الآن في هذه البقعة من العالم القذر، لم نسمع عنه إلا في الأساطير، ولم نقرأ ما يشابهه إلا في تاريخ الحروب المغولية، وأكاد أجزم أن مغول العصر فاقوا قسوةً وشدةً وجبروتًا عن مغول الماضي!
– لم نطلب أن ترونا بنفس العين ولا أن تزنونا بنفس الميزان، نعلم أنكم لا تروننا بشرًا مساوين لكم! والكثير من المواقف أثبتت ذلك! لكن لم نكن نعلم أنكم لا تروننا بشرًا من الأساس، بل تفاجأنا أنكم تروننا أقل شأنًا من الحيوانات، فقد رأينا لكم مؤتمرات وعقوبات وحملات توعية تهدف لحماية حقوق الحيوان! لكن لم نرَ من يعاقب جلادينا، لذلك:
– لم نطلب أن تساندونا عسكريًا، لكن على الأقل لا تدعموهم عسكريًا.
– لم نسألكم أن تساندونا سياسيًا، لكن على الأقل لا تعادوننا وتفشلوا أي مسعى سياسي لوقف المجزرة.
– لم نطلب أن تدعموها اقتصاديًا، لكن على الأقل لا تدعموهم اقتصاديًا كأنهم من يتعرضون للذبح، لا نحن!
نحن نعلم أن العالم يتحرك وفقًا لمصلحته، لكن لم أفهم حتى الآن أين مصلحة هذا العالم في ذبح كل هذا العدد من الأطفال؟ أين مصلحتهم في إبادة كل هؤلاء البشر؟!

النزوح في أوكرانيا
الوهم:
وعلى ذكر الوهم، فقد كنا أيضًا واهمين ونظن أن الغرب متحضر ويتمتع بالديمقراطية.
هل أفهم من هذا أن كل شعوب العالم الغربي توافق على ما يحصل فينا من مجازر، بل وتدعم الاحتلال وتسانده؟
فنحن لا نعيش كذبة، بل نعيش صدمة، صدمة أن الواقع البشع الذي كنا نعتقد أننا نعيشه، اتضح أنه فقاعة، والواقع أسوأ بكثير، والحقيقة أبشع، والمنطق لا وجود له، وتفسيره بيد من يملك التفسير وعلى هواه فقط!
لم يتغير في هذه الحرب إلا حقيقة واحدة فقط، وهي:
الإيمان بالله، فلم يبقَ إلا هذا الإيمان الذي لم يتغير، وعسى أن يدبر الله بسننه ما عجز هذا المجتمع الفج عن تدبيره!
بهذا نختم:
من كان يعبد القانون الدولي فإن القانون الدولي لم يكن حيًّا أصلاً ليموت!