بقلم: أ. احمد بسام ابو دقة
محامي، وباحث قانوني
يشهد قطاع غزة في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ أكتوبر 2023، تصعيداً عسكرياً غير مسبوق، تمثل في عمليات برية واسعة النطاق، وقصف جوي مكثف، وحصار خانق أدى إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية. هذه الأوضاع أثرت بشكل بالغ على الواقع الإنساني والقانوني فيَ القطاع، ما يدفع إلى تحليل آثارها الاجتماعية، والموقف الدولي منها، ومدى توافقها أو تعارضها مع قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
أولاً: التأثير الاجتماعي والإنساني للحرب في غزة
1. الخسائر في الأرواح
أسفرت العمليات العسكرية، خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية من القطاع، عن آلاف الشهداء، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين. ويجري استخدام أسلحة ذات قوة تدميرية كبيرة في مناطق مكتظة سكانيًا، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
2. النزوح القسري
أجبرت العملية البرية الواسعة سكان أحياء بأكملها على النزوح إلى مناطق غير مهيأة لاستيعابهم، كالمستشفيات والمدارس والطرقات، في ظل نقص حاد في الماء والغذاء والدواء، وغياب المرافق الصحية.
حيث أعداد النازحين في تزايد ولا يتوفر اي مقومات تساعدهم ويوجد أعداد كبيرة مرمرية في أزقة الشوارع دون اي ماؤى .
3. تدمير البنية التحتية
استُهدفت آلاف الوحدات السكنية والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الكهرباء، والمخابز، والمستشفيات. أدى ذلك إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية والخدمية، مما يهدد بكارثة إنسانية طويلة الأمد ، حيث يعاني الشعب والمنظمات المختلفة من كارثة صعبه .

منع إدخال المساعدات الإنسانية على غزة
1. الحصار ومنع دخول الإغاثة
فرضت سلطات الاحتلال قيودًا صارمة على المعابر الحدودية، ومنعت إدخال الوقود، والمواد الغذائية، والمستلزمات الطبية. وقد تسبب ذلك في نفاد الإمدادات في معظم مستشفيات القطاع، وحرمان المدنيين من أبسط مقومات الحياة.
2. انتهاك القانون الدولي
ينص القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة، على ضرورة السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين. كما تُعد عرقلة إيصال الإغاثة عملًا يُصنّف ضمن جرائم الحرب، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثالثاً: توسع العملية البرية ومخاطرها القانونية
1. الهجمات على المناطق المكتظة
التوغل البري الإسرائيلي في مناطق مثل رفح وخان يونس أدى إلى تدمير شامل للأحياء السكنية، مع شبه انعدام للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، في مخالفة واضحة لمبدأ التمييز والتناسب المنصوص عليه في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
2. استهداف المستشفيات والمدارس
تكررت التقارير الحقوقية عن استهداف مراكز الإيواء التي تشرف عليها “الأونروا”، وكذلك مستشفيات ومراكز صحية، ما يُعد انتهاكًا جسيمًا لحصانة المنشآت المدنية والطبية.
رابعاً: موقف المجتمع الدولي
1. الإدانات والبيانات
صدرت إدانات من الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، ومنظمات دولية غير حكومية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أكدت أن ما يحدث في غزة قد يرقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
2. التقاعس في اتخاذ خطوات فعالة
رغم كثافة التقارير الحقوقية، لم يتمكن مجلس الأمن من إصدار قرارات ملزمة بسبب استخدام حق النقض (الفيتو)، مما أدى إلى شلل في آليات الحماية الدولية وغياب المساءلة.
3. المبادرات الفردية
بادرت بعض الدول والمنظمات لتقديم مساعدات عبر جسر بري عبر معبر رفح البري والمعابر الأخرى ، لكنها غالبًا ما تُمنع أو تتعرض لصعوبات لوجستية نتيجة الحصار، ما يُظهر الحاجة لتدخل دولي أكثر حزمًا لدخول المساعدات.
حيث يعاني الناس كارثة صعبة ونواجه مجاعة حقيقية على أرض الواقع.
خامساً: الموقف القانوني الدولي

انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف
تشير طبيعة الاستهدافات والمنع المتعمد للمساعدات إلى انتهاكات خطيرة للمواد (49، 53، 55، 59) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر العقاب الجماعي وتدمير الممتلكات والحرمان من الإغاثة.
2. مسؤولية جنائية دولية
المحكمة الجنائية الدولية تملك اختصاصًا في الأراضي الفلسطينية منذ قرار الدائرة التمهيدية في 2021. ويوجب الوضع الحالي فتح تحقيق شامل في جرائم الحرب المحتملة، بما في ذلك الاستهداف المتعمد للمدنيين، والتجويع كوسيلة من وسائل الحرب.
3. مسؤولية الدول الثالثة
المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف تلزم الدول الأطراف بـ”احترام وضمان احترام” الاتفاقيات، ما يعني أن الصمت أو التعاون مع منتهكي القانون قد يعرّض تلك الدول للمساءلة القانونية والأخلاقية.
تشكل الحرب على قطاع غزة، مع توسيع العمليات البرية ومنع دخول المساعدات، اختبارًا حقيقيًا لفعالية القانون الدولي ومصداقية المجتمع الدولي. فاستمرار الانتهاكات دون رادع يقوض النظام القانوني العالمي، ويكرس سياسة الإفلات من العقاب. إن إنهاء الحرب ورفع الحصار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، ليس فقط واجبًا قانونيًا، بل التزام أخلاقي وإنساني لا يحتمل التسويف.