بقلم: أ. عبد الرازق كمال ماضي
محامي فلسطيني
في غزة، للجوع طعم مختلف ورائحة لا تُشبه خبز الأفران، بل تُشبه صمت البيوت حين يفرغ ما فيها، وعيون الأطفال حين تتعلّق بصحن طعام لم يأتِ.
الجوع هنا لا يُعلن عن نفسه بصوت، بل يظهر في نظرات الأمهات، في وجوه الآباء العائدين بأيادٍ فارغة، في أجسادٍ صغيرة أنهكها الانتظار، ولم تعرف من الطفولة إلا شحوب الوجه ورجفة البرد.
غزة لا تنام كغيرها من المدن. حين تُطفأ الأنوار، لا تنطفئ معها الأحلام، بل تبقى الأرواح متعلقة بأمل خافت، بأن الغد قد يحمل ما يكفي لعشاء دافئ أو قنينة ماء نظيف.
هناك يُصبح إعداد وجبة طعام مشروعًا صعبًا، ومشاركة الرغيف بطولة يومية. لا يُقاس الغنى بالمال، بل بما يُختزن في خزّان الماء، وبما تبقّى من العدس أو الطحين.
في غزة، حتى الهواء يُشعر الناس بالتعب، لا لأنه ثقيل، بل لأن أنفاسهم مثقلة بحكايات العجز. ليس هناك أكثر وجعًا من أمٍّ تهمس لرضيعها أن ينام كي ينسى الجوع، أو أبٍ يَعِد أبناءه بطعام لا يعرف كيف سيأتي
ورغم كل ذلك… تبقى غزة حيّة.
حيّة بابتسامة صامدة، بدعاء في جوف الليل، بطبق صغير يُقسم على الجميع، وبلحظة فرح تُسرَق من بين الركام.